يقول تعالى مخاطبًا للناس : { إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الألِيمِ . وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ، ثم استثنى من ذلك عباده المخلصين ، كما قال تعالى { وَالْعَصْرِ . إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } [ العصر : 1 - 3 ] .
وقال : { لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ . ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ . إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } [ التين : 4 - 6 ] ، وقال : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا . ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } [ مريم : 71 ، 72 ] ، وقال : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ . إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ } [ المدثر : 38 ، 39 ] ولهذا قال هاهنا : { إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ } أي : ليسوا يذوقون العذاب الأليم ، ولا يناقشون في الحساب ، بل يتجاوز عن سيئاتهم ، إن كان لهم سيئات ، ويجزون الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، إلى ما يشاء الله تعالى من التضعيف .
لما وصف عذابهم بأنه أليم عُطف عليه إخبارهم بأن ذلك المقدار لا حيف عليهم فيه لأنه على وفاق أعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا من آثار الشرك ، والحَظُّ الأكبر من ذلك الجزاءِ هو حظ الشرك ولكن كني عن الشرك بأعماله وأما هو فهو أمر اعتقادي . وفي هذا دليل على أن الكفار مجازَوْن على أعمالهم السيئة من الأقوال والأعمال كتمجيد آلهتهم والدعاءِ لها ، وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وأذاه وأذى المؤمنين ، وقولِهم في أصنامهم إنهم شفعاء عند الله ، وفي الملائكة إنهم بنات الله ، ومن قتل الأنفس والغارة على الأموال ووأد البنات والزنا فإن ذلك كله مما يزيدهم عذاباً ، وهو يؤيد قول الذين ذهبوا إلى أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وأن ذلك واقع .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وما تجزون} في الآخرة {إلا ما كنتم تعملون} آية في الدنيا من الشرك، جزاء الشرك النار...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وَما تُجْزَوْنَ": وما تُثابون في الآخرة إذا ذقتم العذاب الأليم فيها، إلاّ ثواب "ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ "في الدنيا: معاصِيَ الله.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} إلا مثل ما عملتم جزاء سيئاً بعمل سيئ...
مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي 710 هـ :
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
وما ترون إلا جزاء مثل عملكم، إذ هو ثمرة عملكم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان سبحانه الحكم العدل فلا يظلم أحداً مثقال ذرة فلا يزيد في جزائه شيئاً على ما يستحق مع أن له أن يفعل ما يشاء ولا يكون فعله -كيفما كان- إلا عدلاً قال: {وما} أي والحال أنكم ما {تجزون} أي جزءاً من الجزاء {إلا ما} أي مثل ما. ولما كانوا مطبوعين على تلك الخلال السيئة، بين أنها كانت خلقاً لهم لا يقدرون على الانفكاك عنها بالتعبير بأداة الكون فقال: {كنتم تعملون} نفياً لوهم من قد يظن أنهم فعلوا شيئاً بغير تقديره سبحانه...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
لما وصف عذابهم بأنه أليم، عُطف عليه إخبارهم بأن ذلك المقدار، لا حيف عليهم فيه؛ لأنه على وفاق أعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا من آثار الشرك، والحَظُّ الأكبر من ذلك الجزاءِ هو حظ الشرك، ولكن كني عن الشرك بأعماله، وأما هو فهو أمر اعتقادي؛ وفي هذا دليل على أن الكفار مجازَوْن على أعمالهم السيئة من الأقوال والأعمال كتمجيد آلهتهم والدعاءِ لها، وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وأذاه وأذى المؤمنين، وقولِهم في أصنامهم إنهم شفعاء عند الله، وفي الملائكة إنهم بنات الله، ومن قتل الأنفس والغارة على الأموال ووأد البنات والزنا فإن ذلك كله مما يزيدهم عذاباً، وهو يؤيد قول الذين ذهبوا إلى أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وأن ذلك واقع...
{إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ} * {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
في الآيات السابقة قال سبحانه حكايةً عن الظالمين قوْلَ المتبوعين لأتباعهم:
{فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ} [الصافات: 31] وهنا يؤكد هذا المعنى، إلا أنه يُصرِّح هنا بنوع الإذاقة {لَذَآئِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ} [الصافات: 38] وهذا العذاب الأليم ليس ظلماً ولا تعدياً، إنما جزاء ما قدَّمتم: {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} لأن ذلك هو منهج العدالة الذي يجعل العمل أساساً للجزاء، بعد أن جعل الله الإنسان مسؤولاً عن السير في خط تكليفٍ شرعيٍّ معيّنٍ، واعتبر الانحراف عنه سبباً للعقاب...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
حقيقة الأمر أنّ أعمالكم سوف تتجسّد أمامكم، لتبقى معكم لتؤذيكم وتعذّبكم، وجزاؤكم إنّما هو نتيجة أعمالكم وتكبّركم وكفركم وعدم إيمانكم بالله وزعمكم بأنّ آيات الله هي شعر ورسوله مجنون إضافةً إلى ظلمكم وارتكابكم القبائح.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.