فقال فرعون معاندا للحق ، قادحا بمن جاء به : { إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } حيث قال خلاف ما نحن عليه ، وخالفنا فيما ذهبنا إليه ، فالعقل عنده وأهل العقل ، من زعموا أنهم لم يخلقوا ، أو أن السماوات والأرض ، ما زالتا موجودتين من غير موجد وأنهم ، بأنفسهم ، خلقوا من غير خالق ، والعقل عنده ، أن يعبد المخلوق الناقص ، من جميع الوجوه ، والجنون عنده ، أن يثبت الرب الخالق للعالم العلوي والسفلي ، والمنعم بالنعم الظاهرة والباطنة ، ويدعو إلى عبادته ، وزين لقومه هذا القول ، وكانوا سفهاء الأحلام ، خفيفي العقول { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ }
وهنا لم يملك فرعون إلا الرد الدال على إفلاسه وعجزه ، فقال ملتفتا إلى من حوله : { إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } .
أى : قال فرعون - على سبيل السخرية بموسى - مخاطبا أشراف قومه : إن رسولكم الذى أرسل إليكم بما سمعتم { لَمَجْنُونٌ } لأنه يتكلم بكلام لا تقبله عقولنا ، ولا تصدقه آذاننا وسماه رسولا على سبيل الاستهزاء ، وجعل رسالته إليهم لا إليه ، لأنه - فى زعم نفسه - أكبر من أن يرسل إليه رسول ، ولكى يهيجهم حتى ينكروا على موسى قوله .
وإنها للقاصمة لفرعون . فما يطيق عليها سكوتا والملأ حوله يستمعون . ومن ثم يرمي قائلها في تهكم بالجنون :
( قال : إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ) . .
إن رسولكم الذي أرسل إليكم . . يريد أن يتهكم على مسألة الرسالة في ذاتها ، فيبعد القلوب عن تصديقها بهذا التهكم ، لا أنه يريد الإقرار بها والاعتراف بإمكانها . ويتهم موسى - عليه السلام - بالجنون ، ليذهب أثر مقالته التي تطعن وضع فرعون السياسي والديني في الصميم . وترد الناس إلى الله ربهم ورب آبائهم الأولين .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبّكُمْ وَرَبّ آبَآئِكُمُ الأوّلِينَ * قَالَ إِنّ رَسُولَكُمُ الّذِيَ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتّخَذْتَ إِلََهَاً غَيْرِي لأجْعَلَنّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } .
يعني تعالى ذكره بقوله قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ ألا تَسْتَمِعُونَ قال فرعون لمن حوله من قوله : ألا تستمعون لما يقول موسى ، فأخبر موسى عليه السلام القوم بالجواب عن مسئلة فرعون إياه وقيله له وَما رَبّ العالَمِينَ ليفهم بذلك قوم فرعون مقالته لفرعون ، وجوابه إياه عما سأله ، إذ قال لهم فرعون ألا تَسْتَمِعُونَ إلى قول موسى ، فقال لهم الذي دعوته إليه وإلى عبادته رَبّكُمْ الذي خلقكم وَرَبّ آبائِكُمُ الأوّلينَ فقال فرعون لما قال لهم موسى ذلك ، وأخبرهم عما يدعو إليه فرعون وقومه : إنّ رَسُولَكُمُ الّذِي أُرْسِلَ إلَيْكُمْ لَمَجْنُون يقول : إن رسولكم هذا الذي يزعم أنه أرسل إليكم لمغلوب على عقله ، لأنه يقول قولاً لا نعرفه ولا نفهمه ، وإنما قال ذلك ونسب موسى عدوّ الله إلى الجِنّة ، لأنه كان عنده وعند قومه أنه لا ربّ غيره يعبد ، وأن الذي يدعوه إليه موسى باطل ليست له حقيقة ، فقال موسى عند ذلك محتجا عليهم ، ومعرّفهم ربهم بصفته وأدلته ، إذ كان عند قوم فرعون أن الذي يعرفونه ربا لهم في ذلك الوقت هو فرعون ، وأن الذي يعرفونه لاَبائهم أربابا ملوك أخر ، كانوا قبل فرعون ، قد مضوا فلم يكن عندهم أن موسى أخبرهم بشيء له معنى يفهمونه ولا يعقلونه ، ولذلك قال لهم فرعون : إنه مجنون ، لأن كلامه كان عندهم كلاما لا يعقلون معناه : الذي أدعوكم وفرعون إلى عبادته رب المشرق والمغرب وما بينهما يعني ملك مشرق الشمس ومغربها ، وما بينهما من شيء لا إلى عبادة ملوك مصر الذين كانوا ملوكها قبل فرعون لاَبائكم فمضوا ، ولا إلى عبادة فرعون الذي هو ملكها إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ يقول : إن كان لكم عقول تعقلون بها ما يقال لكم ، وتفهمون بها ما تسمعون مما يعين لكم . فلما أخبرهم عليه السلام بالأمر الذي علموا أنه الحق الواضح ، إذ كان فرعون ومن قبله من ملوك مصر لم يجاوز ملكهم عريش مصر ، وتبين لفرعون ومن حوله من قومه أن الذي يدعوهم موسى إلى عبادته ، هو الملك الذي يملك الملوك . قال فرعون حينئذ استكبارا عن الحقّ ، وتماديا في الغيّ لموسى : لَئنِ اتّخَذْتَ آلها غَيْرِي يقول : لئن أقررت بمعبود سواي لأَجْعَلَنّكَ مِنَ المَسْجُونِينَ يقول : لأسجننك مع من في السجن من أهله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.