معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَهَدَيۡنَٰهُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (68)

قوله تعالى : { ولهديناهم صراطاً مستقيماً } أي : إلى الصراط المستقيم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَهَدَيۡنَٰهُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (68)

ثم بين - سبحانه - ما لهم بعد ذلك من أجر عظيم فقال : { وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِّن لَّدُنَّآ أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } .

أى : وإذا لو ثبتوا على طاعتنا لأعطيناهم من عندنا ثوابا عظيما لا يعرف مقداره إلا الله - تعالى - ولتقلبناهم وأرشدناهم إلى سلوك الطريق المستقيم وهو طريق الإِسلام الذى باتباعه يسعدون فى دنياهم وآخرتهم .

قال صاحب الكشاف : وقوله " وإذا " جواب لسؤال مقدر ، كأنه قيل : وماذا يكون لهم أيضا بعد التثبيت ؟ فقيل : وإذا لو ثبتوا { لآتَيْنَاهُمْ } لأن إذا جواب وجزاء .

وقد فخم - سبحانه - هذا العطاء بعدة أمور منها : أنه ذكر - سبحانه - نفسه بصيغة العظمة { لآتَيْنَاهُمْ مِّن لَّدُنَّآ } { وَلَهَدَيْنَاهُمْ } والمعطى الكريم إذا ذكر نفسه باللفظ الدال على العظمة عند الوعد بالعطية ، دل ذلك على عظمة تلك العطية .

ومنها : أن قوله { مِّن لَّدُنَّآ } يدل على التخصيص أى : لآتيناهم من عندنا وحدنا لا من عند غيرنا . وهذا التخصيص يدل على المبالغة والتشريف ، لأنه عطاء من واهب النعم وممن له الخلق والأمر كما فى قوله - تعالى - { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } ومنها : أنه - سبحانه - وصف هذا الأجر المعطى بالعظمة بعد أن جاء به منكرا ، وهذا الأسلوب يدل على أن هذا العطاء غير محدود بحدود ، وأنه قد بلغ أقصى ما يتصوره العقل من جلال فى كمه وفى كيفه . { ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ والله ذُو الفضل العظيم } هذا ، وبذلك ترى أن الآيات الكريمة - من قوله - تعالى - { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } . إلى هنا - قد بينت ما عليه المنافقون من فسوق وعصيان ، وحكت معاذيرهم الكاذبة ، وصورت نفورهم من حكم الله تصويرا بليغا ، وكشفت عن أوالهم ورذائلهم بأسلوب يدعو العقلاء إلى احتقارهم وهجرهم ، وأرشدت إلى أنجع الوسائل لعلاجهم ؛ وفتحت لهم باب التوبة حتى يثوبوا إلى رشدهم ، ويطهروا نفوسهم من السوء والفحشاء ، ووضحت جانبا من مظاهر اليسر والتخفيف التى تفضل بها - سبحانه - على الأمة الإِسلامية ، ووعدت الذين يستجيبون لله ولرسوله بالثواب الجزيل ، وتوعدت الذين يتركون حكم الله إلى حكم غيره بالعذاب الأليم ، ووصفتهم بعدم الإِيمان .

وقد أفاض بعض المفسرين عند تفسيره لهذه الآيات فى بيان سوء حال من يتحاكم إلى غير شريعة الله ، وساقوا أمثلة متعددة لشدة تمسك السلف الصلاح بهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومن ذلك قول الفخر الرازى : قال القاضى : يجب أن يكون التحاكم إلى هذا الطاغوت كالكفر . وعدم الرضا بحكم محمد صلى الله عليه وسلم كفر ويدل عليه وجوه :

الأول : أنه - تعالى - قال { يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت وَقَدْ أمروا أَن يَكْفُرُواْ بِهِ } . فجعل التحاكم إلى الطاغوت يكون إيمانا به .

ولا شك أن الإِيمان بالطاغوت كفر بالله . كما ان الكفر بالطاغوت إيمان بالله .

الثانى : قوله تعالى - : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } . . إلى قوله { وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } . وهذا نصف فى تكفير من لم يرض بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم .

الثالث : قوله - تعالى - { فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وهذا يدل على أن مخالفته معصية عظيمة .

وفى هذه الآيات دلائل على أن من رد شيئا من أوامر الله أو أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو خارج عن الإِسلام . سواء رده من جهة الشك أو من جهة التمرد . وذلك يوجب صحة ما ذهبت الصحابة إليه من الحكم بارتداد ما نعى الزكاة وقتلهم وسبى ذراريهم .

وقال الشيخ جمال الدين القاسمى : قال ولى الله التبريزى . روى الإِمام مسلم - بسنده - عن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنكم : فقال بلال : والله لمنعنهن . فقال عبد الله : أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . وتقول أنت : لنمنعهن "

وفى رواية سالم عن أبيه قال : فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا ما سمعته سبه مثله قط . وقال : أخبرك عن رسول الله ، وتقول : والله لمنعهن .

وفى رواية للإِمام أحمد أنه ما كلمه حتى مات .

فأنت ترى أن ابن عمر - رضى الله عنه - لشدة تمسكه بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غضب لله ورسوله . وهجر فلذة كبده ، لتلك الزلة .

وقال الإِمام الشافعى : أخبرنا أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الشهابى قال : حدثنى ابن أبى ذئب عن المقبرى عن أبى شريح الكعبى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح : " من قتل له قتيل فهو بخير النظرين . إن أحب أخذ العقل وإن أحب فله القود " قال أبو حنيفة : فقلت لابن أبى ذئب . أتأخذ بهذا يا أبا الحارث ؟ فضرب صدرى وصاح على صياحا كثيرا ونال منى وقال : أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أتأخذ به ؟ نعم . آخذ به . وذلك الفرض على وعلى من سمعه . إن الله - تعالى - قد اختار محمدا صلى الله عليه وسلم من الناس فهداهم به وعلى يديه . واختار لهم ما اختار له وعلى لسانه . فعلى الخلق أن يتبعوه لا مخرج لمسلم . وما سكت حتى تمنيت أن يسكت .

وقال الإِمام ابن القيم : والذى ندين الله به ، ولا يسعنا غيره أن الحديث إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه ، أن الفرض علينا وعلى الأمة بحديث وترك لك ما خالفه .

ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنا من كان . لا رواية ولا غيره . إذ من الممكن أن يسنى الراوى الحديث ولا يحضره وقت الفتيا . أولا يتفطن لدلالته على تلك المسألة . أو يتأول فيه تأويلا مرجوحا . أو يقوم فى ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضا فى نفس الأمر . أو يقلد غيره فى فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه ، وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه . .

فالله - تعالى - علق سعادة الدارين بمتابعته صلى الله عليه وسلم وجعل شقاوة الدارين فى مخالفته .

وهكذا نرى أن السلف الصالح كانوا يتمسكون بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد التمسك ، ويهجرون كل من خالفها ، ولم يقيد نفسه بها .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَهَدَيۡنَٰهُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (68)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَإِذاً لآتيناهم مّن لدنا أَجْراً عَظِيماً * لهديناهم صِرَاطاً مّسْتَقِيماً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : { ولَوْ أنّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْرا لَهُمْ } لإيتائنا إياهم على فعلهم ما وعظوا به من طاعتنا والانتهاء إلى أمرنا { أَجْرا } يعني : جزاء وثوابا عظيما ، وأشدّ تثبيتا لعزائمهم وآرائهم ، وأقوى لهم على أعمالهم لهدايتنا إياهم صراطا مستقيما ، يعني : طريقا لا اعوجاج فيه ، وهو دين الله القويم الذي اختاره لعباده وشرعه لهم ، وذلك الإسلام .

ومعنى قوله : { وَلَهَدَيْناهُمْ } ولوفقناهم للصراط المستقيم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَهَدَيۡنَٰهُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (68)

ثم ذكر تعالى ما كان يمن به عليهم من تفضله بالأجر ووصفه إياه بالعظم مقتض ما لا يحصله بشر من النعيم المقيم ، و «الصراط المستقيم » : الإيمان المؤدي إلى الجنة ، وجاء ترتيب هذه الآية كذا ، ومعلوم أن الهداية قبل إعطاء الأجر ، لأن المقصد إنما هو تعديد ما كان الله ينعم به عليهم دون ترتيب ، فالمعنى : ولهديناهم قبل حتى يكونوا ممن يؤتى الأجر .