يدل على هذا ما بعده : ( وجعلنا سراجا وهاجا ) . . وهو الشمس المضيئة الباعثة للحرارة التي تعيش عليها الأرض وما فيها من الأحياء . والتي تؤثر كذلك في تكوين السحائب بتبخير المياه من المحيط الواسع في الأرض ورفعها إلى طبقات الجو العليا وهي المعصرات : ( وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ) . . حين تعصر فتخر ويتساقط ما فيها من الماء . ومن يعصرها ? قد تكون هي الرياح . وقد يكون هو التفريغ الكهربائي في طبقات الجو . ومن وراء هذه وتلك يد القدرة التي تودع الكون هذه المؤثرات ! وفي السراج توقد وحرارة وضوء . . وهو ما يتوافر في الشمس . فاختيار كلمة( سراج )دقيق كل الدقة ومختار . .
ومن السراج الوهاج وما يكسبه من أشعة فيها ضوء وحرارة ، ومن المعصرات وما يعتصر منها من ماء ثجاج ، ينصب دفعة بعد دفعة كلما وقع التفريغ الكهربائي مرة بعد مرة ، وهو الثجاج ، من هذا الماء مع هذا الإشعاع يخرج الحب والنبات الذي يؤكل هو ذاته ، والجنات الألفاف الكثيفة الكثيرة الأشجار الملتفة الأغصان . وهذا التناسق في تصميم الكون ، لا يكون إلا ووراءه يد تنسقه ، وحكمة تقدره ، وإرادة تدبره . يدرك هذا بقلبه وحسه كل إنسان حين توجه مشاعره هذا التوجيه ، فإذا ارتقى في العلم والمعرفة تكشفت له من هذا التناسق آفاق ودرجات تذهل العقول وتحير الألباب . وتجعل القول بأن هذا كله مجرد مصادفة قولا تافها لا يستحق المناقشة . كما تجعل التهرب من مواجهة حقيقة القصد والتدبير في هذا الكون ، مجرد تعنت لا يستحق الاحترام !
إن لهذا الكون خالقا ، وإن وراء هذا الكون تدبيرا وتقديرا وتنسيقا . وتوالي هذه الحقائق والمشاهد في هذا النص القرآني على هذا النحو : من جعل الأرض مهادا والجبال أوتادا . وخلق الناس أزواجا . وجعل نومهم سباتا [ بعد الحركة والوعي والنشاط ] مع جعل الليل لباسا للستر والانزواء ، وجعل النهار معاشا للوعي والنشاط . ثم بناء السبع الشداد . وجعل السراج الوهاج .
وإنزال الماء الثجاج من المعصرات . لإنبات الحب والنبات والجنات . . توالي هذه الحقائق والمشاهد على هذا النحو يوحي بالتناسق الدقيق ، ويشي بالتدبير والتقدير ، ويشعر بالخالق الحكيم القدير . ويلمس القلب لمسات موقظة موحية بما وراء هذه الحياة من قصد وغاية . . ومن هنا يلتقي السياق بالنبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون !
القول في تأويل قوله تعالى : { لّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنّاتٍ أَلْفَافاً * إِنّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً * يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً * وَفُتِحَتِ السّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً * وَسُيّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } .
يقول تعالى ذكره : لنخرج بالماء الذي ننزله من المعصِرات إلى الأرض حبا والحب كلّ ما تضمنه كمام الزرع التي تحصد ، وهي جمع حبة ، كما الشعير جمع شعيرة ، وكما التمر جمع تمرة . وأما النبات فهو الكلأ الذي يُرْعَى ، من الحشيش والزروع .
وجيء بفعل { لنخرج } دون نحو : لننبت ، لأن المقصود الإيماء إلى تصوير كيفية بعث الناس من الأرض إذ ذلك المقصد الأول من هذا الكلام ألا ترى أنه لما كان المقصد الأول من آية سورة ( ق ) هو الامتنانَ جيء بفعل « أنبتنا » في قوله : { ونزَّلنا من السماء ماء مباركاً فأنبتنا به جناتٍ } [ ق : 9 ] الآية . ثم أتبع ثانياً بالاستدلال به على البعث بقوله : { كذلك الخروج } [ ق : 11 ] . والبعث خروج من الأرض قال تعالى : { ومنها نخرجكم تارة أخرى } في سورة طه ( 55 ) .
والحَب : اسم جمع حبّة وهي البرزة . والمراد بالحب هنا : الحب المقتات للناس مثل : الحنطة ، والشعير ، والسُّلت ، والذُّرة ، والأرزُّ ، والقُطنية ، وهي الحبوب التي هي ثمرة السنابل ونحوها .
والنّبات أصله اسم مصدر نبت الزرع ، قال تعالى : { واللَّه أنبتكم من الأرض نباتاً } [ نوح : 17 ] وأطلق النبات على النابت من إطلاق المصدر على الفاعل وأصله المبالغة ثم شاع استعماله فنسيت المبالغة .
والمراد به هنا : النبات الذي لا يؤكل حبه بل الذي ينتفع بذاته وهو ما تأكله الأنعام والدواب مثل التبن والقُرط والفصفصة والحشيش وغير ذلك .
وجعلت الجنات مفعولاً ل ( تخرج ) على تقدير مضاف ، أي نخل جنات أو شجر جنات ، لأن الجنات جمع جَنة وهي القطعة من الأرض المغروسة نخلاً ، أو نخلاً وكرْماً ، أو بجميع الشجر المثمر مثل التين والرمان كما جاء في مواضعَ من القرآن ، وهي استعمالات مختلفة باختلاف المنابت .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
قال: {لنخرج به} يعني بالمطر {حبا} يعني بالحبوب كل شيء يزرع ويحصد من البر والشعير والسمسم ونحوها من الحبوب، قال: {ونباتا} يعني كل شيء ينبت في الجهال والصحاري من الشجر والكلأ فذلك النبات، وهي تنبت عاما بعام من قبل نفسها...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
لنخرج بالماء الذي ننزله من المعصِرات إلى الأرض حبا والحب كلّ ما تضمنه كمام الزرع التي تحصد، وهي جمع حبة، كما الشعير جمع شعيرة، وكما التمر جمع تمرة. وأما النبات فهو الكلأ الذي يُرْعَى، من الحشيش والزروع...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فجائز أن يكون ذكر الحب لأنه المقصود من زراعة ما يكون له الحب، فذكره لما إليه ينتهي القصد، ويكون ذكر النبات منصرفا إلى ما لا حب له لأن القصد من زراعته النبات، لا غير. وجائز أن يكون منصرفا إلى شيء واحد لأن الذي فيه النبات أيضا...
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
{لنخرج به حبا} مما يأكله الناس {ونباتا} مما ترعاه النعم...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و «الحب»: جنس الحبوب الذي ينتفع به الحيوان، و «النبات»: العشب الذي يستعمل رطباً لإنسان أو بهيمة...
المسألة الأولى: كل شيء نبت من الأرض فإما أن لا يكون له ساق وإما أن يكون، فإن لم يكن له ساق فإما أن يكون له أكمام وهو الحب وإما أن لا يكون له أكمام وهو الحشيش وهو المراد ههنا بقوله: {ونباتا} وإلى هذين القسمين الإشارة بقوله تعالى: {كلوا وارعوا أنعامكم} وأما الذي له ساق فهو الشجر فإذا اجتمع منها شيء كثير سميت جنة، فثبت بالدليل العقلي انحصار ما ينبت في الأرض في هذه الأقسام الثلاثة، وإنما قدم الله تعالى الحب لأنه هو الأصل في الغذاء، وإنما ثنى بالنبات لاحتياج سائر الحيوانات إليه، وإنما أخر الجنات في الذكر لأن الحاجة إلى الفواكه ليست ضرورية...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: لنخرجَ بهذا الماء الكثير الطيب النافع المُبَارَك {حَبًّا} يدخر للأناسي والأنعام، {وَنَبَاتًا} أي: خضرًا يؤكل رطبا...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
وتقديمُ الحبِّ مع تأخرهِ عن النباتِ في الإخراجِ لأصالتِه وشرفِه لأنَّ غالبَهُ غذاءُ الإنسانِ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 13]
يدل على هذا ما بعده: (وجعلنا سراجا وهاجا).. وهو الشمس المضيئة الباعثة للحرارة التي تعيش عليها الأرض وما فيها من الأحياء. والتي تؤثر كذلك في تكوين السحائب بتبخير المياه من المحيط الواسع في الأرض ورفعها إلى طبقات الجو العليا وهي المعصرات: (وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا).. حين تعصر فتخر ويتساقط ما فيها من الماء. ومن يعصرها؟ قد تكون هي الرياح. وقد يكون هو التفريغ الكهربائي في طبقات الجو. ومن وراء هذه وتلك يد القدرة التي تودع الكون هذه المؤثرات! وفي السراج توقد وحرارة وضوء.. وهو ما يتوافر في الشمس. فاختيار كلمة (سراج) دقيق كل الدقة ومختار..
ومن السراج الوهاج وما يكسبه من أشعة فيها ضوء وحرارة، ومن المعصرات وما يعتصر منها من ماء ثجاج، ينصب دفعة بعد دفعة كلما وقع التفريغ الكهربائي مرة بعد مرة، وهو الثجاج، من هذا الماء مع هذا الإشعاع يخرج الحب والنبات الذي يؤكل هو ذاته، والجنات الألفاف الكثيفة الكثيرة الأشجار الملتفة الأغصان. وهذا التناسق في تصميم الكون، لا يكون إلا ووراءه يد تنسقه، وحكمة تقدره، وإرادة تدبره. يدرك هذا بقلبه وحسه كل إنسان حين توجه مشاعره هذا التوجيه، فإذا ارتقى في العلم والمعرفة تكشفت له من هذا التناسق آفاق ودرجات تذهل العقول وتحير الألباب. وتجعل القول بأن هذا كله مجرد مصادفة قولا تافها لا يستحق المناقشة. كما تجعل التهرب من مواجهة حقيقة القصد والتدبير في هذا الكون، مجرد تعنت لا يستحق الاحترام!
إن لهذا الكون خالقا، وإن وراء هذا الكون تدبيرا وتقديرا وتنسيقا. وتوالي هذه الحقائق والمشاهد في هذا النص القرآني على هذا النحو: من جعل الأرض مهادا والجبال أوتادا. وخلق الناس أزواجا. وجعل نومهم سباتا [بعد الحركة والوعي والنشاط] مع جعل الليل لباسا للستر والانزواء، وجعل النهار معاشا للوعي والنشاط. ثم بناء السبع الشداد. وجعل السراج الوهاج.
وإنزال الماء الثجاج من المعصرات. لإنبات الحب والنبات والجنات.. توالي هذه الحقائق والمشاهد على هذا النحو يوحي بالتناسق الدقيق، ويشي بالتدبير والتقدير، ويشعر بالخالق الحكيم القدير. ويلمس القلب لمسات موقظة موحية بما وراء هذه الحياة من قصد وغاية.. ومن هنا يلتقي السياق بالنبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون!