{ 81 - 83 } { بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ * قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }
أي : بل سلك هؤلاء المكذبون مسلك الأولين من المكذبين بالبعث ، واستبعدوه غاية الاستبعاد وقالوا : { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ }
وهنا يعدل عن خطابهم وجدالهم ، ليحكي مقولاتهم عن البعث والحساب ، بعد كل هذه الدلائل والآيات :
بل قالوا مثلما قال الأولون . قالوا : أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعثون ? لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل . إن هذا إلا أساطير الأولين . .
وتبدو هذه القولة مستنكرة غريبة بعد تلك الآيات والدلائل الناطقة بتدبير الله ، وحكمته في الخلق ، فقد وهب الإنسان السمع والبصر والفؤاد ليكون مسؤولا عن نشاطه وعمله ، مجزيا على صلاحه وفساده ؛ والحساب والجزاء يكونان على حقيقتهما في الآخرة ، فالمشهود في هذه الأرض أن الجزاء قد لا يقع ، لأنه متروك إلى موعده هناك .
والله يحيي ويميت ؛ فليس شيء من أمر البعث بعسير ، والحياة تدب في كل لحظة ، وتنشأ من حيث لا يدري إلا الله .
القول في تأويل قوله تعالى : { بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ الأوّلُونَ * قَالُوَاْ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنّا لَمَبْعُوثُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ما اعتبر هؤلاء المشركون بآيات الله ولا تَدَبّروا ما احتجّ عليهم من الحجج والدلالة على قدرته على فعل كلّ ما يشاء ولكن قالوا مثل ما قال أسلافهم من الأمم المكذّبة رسلها قبلهم .
هذا إدماج لذكر أصل آخر من أصول الشرك وهو إحالة البعث بعد الموت . و ( بل ) للإضراب الإبطالي إبطالاً لكونهم يعقلون . وإثباتٌ لإنكارهم البعث مع بيان ما بعثهم على إنكاره وهو تقليد الآباء . والمعنى : أنهم لا يعقلون الأدلة لكنهم يتبعون أقوال آبائهم .
والكلام جرى على طريقة الالتفات من الخطاب إلى الغيبة لأن الكلام انتقل من التقريع والتهديد إلى حكاية ضلالهم فناسب هذا الانتقال مقام الغيبة لما في الغيبة من الإبعاد فالضمير عائد إلى المخاطبين .
والقول هنا مراد به ما طابق الاعتقاد لأن الأصل في الكلام مطابقة اعتقاد قائله ، فالمعنى : بل ظنوا مثل ما ظن الأولون .
والأولون : أسلافهم في النسب أو أسلافهم في الدين من الأمم المشركين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني: كفار مكة، قالوا مثل قول الأمم الخالية.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ما اعتبر هؤلاء المشركون بآيات الله ولا تَدَبّروا ما احتجّ عليهم من الحجج والدلالة على قدرته على فعل كلّ ما يشاء، ولكن قالوا مثل ما قال أسلافهم من الأمم المكذّبة رسلها قبلهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يخبر رسوله أن هؤلاء ليسوا بأول مكذبي الرسل، ولكن كان لهم شركاء وأصحاب في التكذيب، قلد هؤلاء أولئك الأولين، يصبر رسوله على سفه هؤلاء وأذاهم ليصبر على ذلك كما صبر إخوانه الذين كانوا من قبل، أو يذكر هذا ليسلي بعض ما تداخل فيه بتركهم إجابته وخوضهم في ما فيه هلاكهم لأنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (كادت نفسه تهلك) حتى قال له: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} (فاطر: 8) وقال: {لعلك باخع نفسك} (الشعراء: 3).
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أي مثل الذي قاله الكفار الأولون: من انكار البعث والنشور والحساب والجنة والنار، فأقوال هؤلاء مثل أقوال أولئك.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
سلكوا في التكذيب مَسْلَكَ سَلَفهم، وأسرفوا في العناد مثل سَرَفِهم، فأصابهم ما أصاب الأولين من هلاكهم وَتَلَفِهم.
اعلم أنه سبحانه لما أوضح القول في دلائل التوحيد عقبه بذكر المعاد فقال: {بل قالوا مثل ما قال الأولون} في إنكار البعث مع وضوح الدلائل، ونبه بذلك على أنهم إنما أنكروا ذلك تقليدا للأولين.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان معنى الاستفهام الإنكاري النفي، حسن بعده كل الحسن قوله: {بل} وعدل إلى أسلوب الغيبة للإيذان بالغضب بقوله: {قالوا} أي هؤلاء العرب {مثل ما قال الأولون} من قوم نوح ومن بعده...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
بعد أن ذكر أدلة التوحيد المبثوثة في الأكوان والأنفس والتي يراها الناس في كل آن، أعقبها بذكر البعث والحشر وإنكار المشركين لهما، وتردادهم مقالة من سبقهم من الكافرين الجاحدين في استبعادهما والتكذيب بحصولهما.
أي ما اعتبر هؤلاء المشركون بآيات الله، ولا تدبروا حججه الدالة على قدرته على فعل كل ما يريد، كإعادة الأجسام بالبعث، وحياتها حياة أخرى للحساب والجزاء، بل قالوا مثل مقالة أسلافهم من الأمم المكذبة لرسلها من قبلهم، تقليدا لهم دون برهان ولا دليل.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهنا يعدل عن خطابهم وجدالهم، ليحكي مقولاتهم عن البعث والحساب، بعد كل هذه الدلائل والآيات: بل قالوا مثلما قال الأولون. قالوا: أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعثون؟ لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل. إن هذا إلا أساطير الأولين.. وتبدو هذه القولة مستنكرة غريبة بعد تلك الآيات والدلائل الناطقة بتدبير الله، وحكمته في الخلق، فقد وهب الإنسان السمع والبصر والفؤاد ليكون مسؤولا عن نشاطه وعمله، مجزيا على صلاحه وفساده؛ والحساب والجزاء يكونان على حقيقتهما في الآخرة، فالمشهود في هذه الأرض أن الجزاء قد لا يقع، لأنه متروك إلى موعده هناك. والله يحيي ويميت؛ فليس شيء من أمر البعث بعسير، والحياة تدب في كل لحظة، وتنشأ من حيث لا يدري إلا الله.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والكلام جرى على طريقة الالتفات من الخطاب إلى الغيبة لأن الكلام انتقل من التقريع والتهديد إلى حكاية ضلالهم فناسب هذا الانتقال مقام الغيبة لما في الغيبة من الإبعاد فالضمير عائد إلى المخاطبين...
فالمعنى: بل ظنوا مثل ما ظن الأولون. والأولون: أسلافهم في النسب أو أسلافهم في الدين من الأمم المشركين.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ الأولون} الذين واجهوا الرسالات بالانفعال نفسه، ولم يواجهوها بالفكر، فقلّدوا موقفهم ذاك، تقديساً للتراث التاريخي، وانسياقاً وراء العاطفة التي تربطهم بالآباء، فتدفع الموقف العقيدي في اتجاه الخط العاطفي، دون مناقشة للمضمون الفكري، ودون اعتبار للنتائج السلبية المترتبة على ذلك في قضية المصير.