ثم بين - سبحانه أقسام الناس فى هذا اليوم فقال : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ .
ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } أى : وجوه كثيرة فى هذا اليوم تكون مضيئة مشرقة ، يعلوها السرور ، والاستبشار والانشراح ، لما تراه من حسن استقبال الملائكة لهم .
وقوله : { وُجُوهٌ } مبتدأ وإن كان نكرة ، إلا أنه صح الابتداء به لكونه فى حيز التنويع و { مُّسْفِرَةٌ } خبره ، وقوله { يَوْمَئِذٍ } متعلق به ، والإِسفار : النور والضياء .
والمراد أن هذه الوجوه متهللة فرحا ، وعليها أثر النعيم .
أما القسم المقابل لهذا القسم ، فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله : { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ }
ثم يأخذ في تصوير حال المؤمنين وحال الكافرين ، بعد تقويمهم ووزنهم بميزان الله هناك :
( وجوه يومئذ مسفرة . ضاحكة مستبشرة ) . .
فهذه وجوه مستنيرة منيرة متهللة ضاحكة مستبشرة ، راجية في ربها ، مطمئنة بما تستشعره من رضاه عنها . فهي تنجو من هول الصاخة المذهل لتتهلل وتستنير وتضحك وتستبشر . أو هي قد عرفت مصيرها ، وتبين لها مكانها ، فتهللت واستبشرت بعد الهول المذهل . .
ضَاحِكَةٌ يقول : ضاحكة من السرور بما أعطاها الله من النعيم والكرامة مُسْتَبْشِرَةٌ لما ترجو من الزيادة . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله مُسْفِرَةٌ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : مُسْفِرَةٌ يقول : مشرقة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ قال : هؤلاء أهل الجنة .
و { ضاحكة } أي كناية عن السرور .
و { مستبشرة } معناه فَرِحة ، والسين والتاء فيه للمبالغة مثل : استجاب ، ويقال : بَشَر ، أي فرِح وسُرَّ ، قال تعالى : { قال يا بشراي هذا غلام } [ يوسف : 19 ] أي يا فرحتي .
وإسناد الضحك والاستبشار إلى الوجوه مجاز عقلي لأن الوجوه محلّ ظهور الضحك والاستبشار ، فهو من إسناد الفعل إلى مكانه ، ولك أن تجعل الوجوه كناية عن الذوات كقوله تعالى : { ويبقى وجه ربك } [ الرحمن : 27 ] .
وهذه وجوه أهل الجنة المطمئنين بالاً المكرمين عَرْضاً وحُضوراً .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
ضاحكة من السرور بما أعطاها الله من النعيم والكرامة" مُسْتَبْشِرَةٌ "لما ترجو من الزيادة...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي مسرورة بنعيم الله تعالى الذي أنعم عليهم {مستبشرة} برضا الله عنها...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أي من فرحها بما أعددنا لها من الثواب تكون ضاحكة مسرورة. والضحك: الاستبشار وإن أضيف إلى الوجه، فالمراد به أصحاب الوجوه، فأما الإسفار والإشراق فيجوز أن يكون للوجوه خاصة بما جعل الله فيها من النور، لتفرق الملائكة بين المؤمنين والكفار...
وعندي أنه بسبب الخلاص من علائق الدنيا والاتصال بعالم القدس ومنازل الرضوان والرحمة ضاحكة، قال الكلبي: يعني بالفراغ من الحساب مستبشرة فرحة بما نالت من كرامة الله ورضاه.
واعلم أن قوله: مسفرة إشارة إلى الخلاص عن هذا العالم وتبعاته وأما الضاحكة والمستبشرة، فهما محمولتان على القوة النظرية والعملية، أو على وجدان المنفعة ووجدان التعظيم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ضاحكة} لما علمت من سعادتها {مستبشرة} أي طالبة للبشر وهو تغير البشرة من السرور وموجدة لذلك، وهي بيضاء نيرة بما يرى من تبشير الملائكة، وذلك بما كانت فيه في الدنيا من عبوس الوجوه وتغيرها وشحوبها من خشية الله تعالى وما يظهر من جلاله في الساعة...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
و {ضاحكة} أي كناية عن السرور. و {مستبشرة} معناه فَرِحة، والسين والتاء فيه للمبالغة مثل: استجاب، ويقال: بَشَر، أي فرِح وسُرَّ، قال تعالى: {قال يا بشراي هذا غلام} [يوسف: 19] أي يا فرحتي. وإسناد الضحك والاستبشار إلى الوجوه مجاز عقلي لأن الوجوه محلّ ظهور الضحك والاستبشار، فهو من إسناد الفعل إلى مكانه، ولك أن تجعل الوجوه كناية عن الذوات كقوله تعالى: {ويبقى وجه ربك} [الرحمن: 27]. وهذه وجوه أهل الجنة المطمئنين بالاً المكرمين عَرْضاً وحُضوراً...