ولذا لقن الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - الجواب الذى يخرس ألسنتهم فقال - سبحانه - : { قُلْ إِنَّ الأولين والآخرين لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } .
أى : قال لهم - أيها الرسول الكريم - إن الأمم السابقة التى من جملتها آباؤكم . والأمم اللاحقة التى من جملتها أنتم . الكل مجموعون ومسوقون إلى المحشر فى وقت واحد محدد فى علم الله - تعالى - . وعند ما يأتى هذا الوقت ماله من دافع .
فالميقات هنا : بمعنى الوقت والأجل ، والمراد به هنا : يوم القيامة .
ووصفه - سبحانه - بأنه معلوم ، للإشعار بكونه معينا وواقعا وقوعا لا ريب فيه ، ولكن فى الوقت الذى يشاؤه الله - تعالى - ويختاره .
قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ . لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } أي : أخبرهم يا محمد أن الأولين والآخرين من بني آدم سيجمعون إلى عَرَصات القيامة ، لا نغادر منهم أحدًا ، كما قال : { ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ . وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأجَلٍ مَعْدُودٍ . يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } [ هود : 103 - 105 ] . ولهذا قال هاهنا : { لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } أي : هو موقت بوقت مُحَدَّد ، لا يتقدم ولا يتأخر ، ولا يزيد ولا ينقص .
يقول تعالى ذكره : وكانوا يقولون كفرا منهم بالبعث ، وإنكارا لإحياء الله خلقه من بعد مماتهم : أئذا كنا ترابا في قبورنا من بعد مماتنا ، وعظاما نخرة ، أئنا لمبعوثون منها أحياء كما كنا قبل الممات ، أو آباؤنا الأوّلون الذين كانوا قبلنا ، وهم الأوّلون ، يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء إن الأوّلين من آبائكم والاَخرين منكم ومن غيركم ، لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ، وذلك يوم القيامة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يقول الله تعالى: {قل} لهم يا محمد {إن الأولين} يعني الأمم الخالية {والآخرين} يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 48]
يقول تعالى ذكره: وكانوا يقولون كفرا منهم بالبعث، وإنكارا لإحياء الله خلقه من بعد مماتهم: أئذا كنا ترابا في قبورنا من بعد مماتنا، وعظاما نخرة، أئنا لمبعوثون منها أحياء كما كنا قبل الممات، أو آباؤنا الأوّلون الذين كانوا قبلنا، وهم الأوّلون، يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء إن الأوّلين من آبائكم والآخرين منكم ومن غيركم، لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم، وذلك يوم القيامة.
{قل إن الأولين والآخرين، لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم} فقوله: {قل} إشارة إلى أن الأمر في غاية الظهور، وذلك أن في الرسالة أسرارا لا تقال إلا للأبرار، ومن جملتها تعيين وقت القيامة... {إن الأولين والآخرين} بتقديم الأولين على الآخرين في جواب قولهم: {أو آباؤنا الأولون} فإنهم أخروا ذكر الآباء لكون الاستبعاد فيهم أكثر، فقال (إن الأولين) الذين تستبعدون بعثهم وتؤخرونهم يبعثهم الله في أمر مقدم على الآخرين، يتبين منه إثبات حال من أخرتموه مستبعدين، إشارة إلى كون الأمر هينا.
قوله تعالى: {لمجموعون} فإنهم أنكروا قوله: {لمبعوثون} فقال: هو واقع مع أمر زائد، وهو أنهم يحشرون ويجمعون في عرصة الحساب، وهذا فوق البعث، فإن من بقي تحت التراب مدة طويلة ثم حشر ربما لا يكون له قدرة على الحركة، وكيف لو كان حيا محبوسا في قبره مدة لتعذرت عليه الحركة، ثم إنه تعالى بقدرته يحركه بأسرع حركة ويجمعه بأقوى سير...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
لما جرى تعليل ما يلاقيه أصحاب الشمال من العذاب بما كانوا عليه من كفران النعمة، وكان المقصود من ذلك وعيد المشركين وكان إنكارهم البعث أدخلَ في استمرارهم على الكفر أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يخاطبهم بتحقيق وقوع البعث وشموله لهم ولآبائهم ولجميع الناس، أي أنبئهم بأن الأولين والآخرين، أي هم وآباؤهم يبعثون في اليوم المعين عند الله، فقد انتهى الخبر عن حالهم يوم تُرَجُّ الأرض وما يتبعه.
وافتتح الكلام بالأمر بالقول للاهتمام به كما افتتح به نظائره في آيات كثيرة ليكون ذلك تبليغاً عن الله تعالى. فيكون قوله: {قل إن الأولين} الخ استئنافاً ابتدائياً لمناسبة حكاية قولهم: {أئذا متنا وكنا تراباً} [الواقعة: 47] الآية.
والمراد ب {الأولين}: من يصدق عليه وصف (أول) بالنسبة لمن بعدهم، والمراد ب {الآخرين}: من يصدق عليه وصف آخر بالنسبة لمن قبله.