القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } .
يقول عزّ ذكره : قَالَ العالم لموسى إذ قال له ما قال أَلمْ أقُل إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرا على ما ترى من أفعالي ، لأنك ترى ما لم تُحِط به خبرا قال له موسى : لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ . فاختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : كان هذا الكلام من موسى عليه السلام للعالِم معارضة ، لا أنه كان نسي عهده ، وما كان تقدّم فيه حين استصحبه بقوله : فإنِ اتّبَعْتَنِي فَلا تَسألْنِي عَنْ شَيْءٍ حتى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرا . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن يحيى بن زياد ، قال : ثني يحيى بن المهلب ، عن رجل ، عن سعيد بن جبير ، عن أبيّ بن كعب الأنصاريّ في قوله : لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ قال : لم ينس ، ولكنها من معاريض الكلام .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : لا تؤاخذني بتركي عهدك ، ووجه أن معنى النسيان : الترك . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ : أي بما تركت من عهدك .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن موسى سأل صاحبه أن لا يؤاخذِه بِما نسِي فيه عهده من سؤاله إياه على وجه ما فعل وسببه لا بما سأله عنه ، وهو لعهده ذاكر للصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بأن ذلك معناه من الخبر ، وذلك ما :
حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبيّ بن كعب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تُؤاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ قالَ : «كانَتِ الأُوَلى مِنْ مُوسَى نِسْيانا » .
وقوله : ولا تُرْهِقْنِي مِنْ أمْرِي عُسْرا يقول : لا تُغْشِني من أمري عسرا ، يقول : لا تضيق عليّ أمري معك ، وصحبتي إياك .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول عزّ ذكره:"قَالَ" العالم لموسى إذ قال له ما قال "أَلمْ أقُل إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرا "على ما ترى من أفعالي، لأنك ترى ما لم تُحِط به خبرا. قال له موسى: "لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ"، فاختلف أهل التأويل في معنى ذلك؛ فقال بعضهم: كان هذا الكلام من موسى عليه السلام للعالِم معارضة، لا أنه كان نسي عهده، وما كان تقدّم فيه حين استصحبه بقوله: "فإنِ اتّبَعْتَنِي فَلا تَسألْنِي عَنْ شَيْءٍ حتى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرا"...
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تؤاخذني بتركي عهدك، ووجه أن معنى النسيان: الترك...
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن موسى سأل صاحبه أن لا يؤاخذِه بِما نسِي فيه عهده من سؤاله إياه على وجه ما فعل وسببه لا بما سأله عنه، وهو لعهده ذاكر للصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن ذلك معناه من الخبر، وذلك ما:
حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبيّ بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تُؤاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ"، قالَ: «كانَتِ الأُولى مِنْ مُوسَى نِسْيانا».
وقوله: "ولا تُرْهِقْنِي مِنْ أمْرِي عُسْرا" يقول: لا تُغْشِني من أمري عسرا، يقول: لا تضيق عليّ أمري معك وصحبتي إياك.
ثم إنه تعالى حَكَى عن ذلك العالِم أنه لَمّا خالَف الشرطَ لم يَزِدْ على أنْ قال: {ألَمْ أَقُلْ إنّك لن تستطيعَ معي صَبْراً} فعند هذا اعتَذَر موسى عليه السلام بقوله: {لا تُؤاخِذْني بما نَسِيتُ}...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} يعني وهذا الصَّنيعُ فَعَلْتُه قَصْدًا، وهو من الأمور التي اشتَرطتُ معك ألا تُنْكِر عليّ فيها، لأنك لم تُحِطْ بها خُبْرًا، ولها دَاخِلٌ هو مصلحةٌ ولم تَعلمْه أنت...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
تذكيرٌ لما قاله من قبلُ وتحقيقٌ لمضمونه متضمنٌ للإنكار على عدم الوفاء بوعده...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وفي صَبرٍ ولُطْفٍ يُذَكِّره العبدُ الصالحُ بما كان قد قالَه منذ البداية: (قالَ: أَلَمْ أَقُلْ: إِنّكَ لن تَستطيعَ مَعِي صَبْراً؟)...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
اِستفهامُ تقريرٍ وتعْريضٍ باللَّوم على عدم الوفاء بما التَزَم، أي أَتُقِرُّ أنّي قلتُ إنك لا تستطيع معي صبراً. و {معي} ظرفٌ متعلِّقٌ بـ {تستطيعُ}، فاستطاعةُ الصبرِ المنفيّةُ هي التي تكون في صُحْبته لأنه يَرى أموراً عجيبةً لا يُدرِك تأويلَها. وحُذف متعلَّقُ القولِ تنزيلاً له منزلةَ اللازمِ، أي ألَمْ يقعْ مِنّي قولٌ فيه خطابُك بعدم الاستطاعة...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وردّ عليه العبد الصالح بهدوء، ليذكره بوعده بأن يظل صامتاً مهما رأى من فعله، ومهما أثار ذلك الدهشة في داخله... حتى يفسر له هو العمل. {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً} لأن طريقتي في العمل تختلف عن طريقتك، فلا تستطيع أن تفهم طبيعة أعمالي، إذا أردت أن تقيسها بما تتخذه لنفسك من مقياس. وانتبه موسى (عليه السلام) لنفسه، فكيف يستعجل الحكم عليه، وكيف يخالف ما عاهده عليه من الالتزام بالصمت أمام كل شيء يصدر منه؟!...