ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك ، جانبا من قصة هود - عليه السلام - مع قومه فقال - تعالى - : { كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين . . . . } .
قد وردت قصة هود مع قومه فى سور شتى منها : سورة الأعراف ، وهود ، والأحقاف . . وينتهى نسب هود - عليه السلام - إلى نوح - عليهما السلام - .
وقومه هم قبيلة عاد - نسبة إلى أبيهم الذى كان يسمى بهذا الاسم - وكانت مساكنهم بالأحقاف باليمن - والأحقاف جمع حقف وهو الرمل الكثير المائل - .
وكانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله - تعالى - نبيهم هودا لينهاهم عن ذلك ، وليأمرهم بعبادة الله وحده ، وبشكره - سبحانه - على ما وهبهم من قوة وغنى .
وقد افتتح هود نصحه لقومه ، بحضهم على تقوى الله وإخلاص العبادة له وبيان أنه أمين فى تبليغ رسالة الله - تعالى - إليهم ، فهو لا يكذب عليهم ولا يخدعهم ، وببيان أنه لا يسألهم أجرا على نصحه لهم ، وإنما يلتمس الأجر من الله - تعالى - وحده .
وقد سلك فى ذلك المسلك الذى اتبعه جده - عليه السلام - مع قومه ، وسار عليه الأنبياء من بعده .
وقوم هود كانوا يسكنون الأحقاف ، وهي جبال رملية قرب حضرموت من ناحية اليمن . وقد جاءوا بعد قوم نوح ، وكانوا ممن زاغت قلوبهم بعد فترة من الطوفان الذي طهر وجه الأرض من العصاة .
وقد وردت هذه القصة في الأعراف مفصلة وفي هود كما وردت في سورة " المؤمنون " بدون ذكر اسم هود وعاد . وهي تعرض هنا مختصرة بين طرفيها : طرف دعوة هود لقومه ، وطرف العاقبة التي انتهى إليها المكذبون منهم . وتبدأ كما بدأت قصة قوم نوح :
( كذبت عاد المرسلين . إذ قال لهم أخوهم هود : ألا تتقون ? إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون . وما أسألكم عليه من أجر ، إن أجري إلا على رب العالمين ) . .
فهي الكلمة الواحدة يقولها كل رسول : دعوة إلى تقوى الله وطاعة رسوله . وإعلان للزهد فيما لدى القوم من عرض الحياة ، وترفع عن قيم الأرض الزائلة ، وتطلع إلى ما عند الله من أجر كريم .
القول في تأويل قوله تعالى : { كَذّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتّقُونَ * إِنّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَىَ رَبّ الْعَالَمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : كَذّبَتْ عَادٌ رسل الله إليهم إذْ قالَ لَهُمْ أخُوهُمْ هُودٌ ألاَ تَتّقُونَ عقاب الله على كفركم به إنّي لَكُمْ رَسُولٌ من ربي يأمركم بطاعته ، ويحذّركم على كفركم بأسه ، أمِينٌ على وحيه ورسالته فاتّقُوا اللّهَ بطاعته والانتهاء إلى ما يأمركم وينهاكم وأطِيعُونِ فيما آمركم به من اتقاء الله وتحذيركم سطوته وَما أسألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ يقول : وما أطلب منكم على أمري إياكم باتقاء الله جزاء ولا ثوابا إنْ أجْرِيَ إلاّ عَلى رَبّ العالَمِينَ يقول : ما جزائي وثوابي على نصيحتي إياكم إلا على ربّ العالمين .
{ عاد } قبيلة ، وانصرف للخفية ، وقيل هو اسم أبيهم وخاطبهم { هود } عليه السلام بمثل مخاطبة سائر الرسل ، ثم كلمهم فيما انفردوا به من الأفعال التي اقتضتها أحوالهم فقال { أتبنون } على جهة التوبيخ ، «والريع » المرتفع من الأرض ، ومنه قول المسيب ابن عباس يصف ظعناً : [ الكامل ]
في الآل يخفضها ويرفعها . . . ريع يلوح كأنَّه سحل{[8957]}
والسحل الثوب الأبيض ومنه قول ذي الرمة : [ الطويل ]
طراق الخوافي مشرق فوق ريعة . . . ندى ليله في ريشه يترقرق{[8958]}
ومنه قول الأعشى : [ المتقارب ]
وبهماء قفر تجاوزتها . . . إذا خب في ريعها آلها{[8959]}
ويقال «رِيع » بكسر الراء ويقال «رَيع » بفتحها ، وبها قرأ ابن أبي عبلة وعبر بعض المفسرين عن الريع بالطريق وبعضهم بالفج وبعضهم بالثنية الصغيرة .
قال القاضي أبو محمد : وجملة ذلك أنه المكان المشرف وهو الذي يتنافس البشر في مبانيه ، و «الآية » ، البنيان ، قال ابن عباس آية علم ، قال مجاهد أبراج الحمام ، قال النقاش وغيره القصور الطوال .
جملة مستأنفة استئناف تعداد لأخبار التسلية للرسول وتكرير الموعظة للمكذبين بعد جملة : { كذبت قوم نوح المرسلين } [ الشعراء : 105 ] .
والقول في هذه الآيات كالقول في نظيرتها في أول قصة نوح سواء ، سِوى أن قوله تعالى : { كذبت عاد المرسلين } يفيد أنهم كذبوا رسولهم هوداً وكذبوا رسالة نوح لأن هوداً وعظهم بمصير قوم نوح في آية : { واذكروا إذ جعَلَكم خلفاءَ من بعد قوم نوح } في سورة الأعراف ( 69 ) .
واقتران فعل { كذبت } بتاء التأنيث لان اسم عاد علَم على أمة فهو مُؤَوّل بمعنى الأمة .