ثم قيل لهؤلاء الكافرين على سبيل التقريع والتأنيب : { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله } أى : أين الآلهة التى كنتم تعبدونها فى الدنيا من دون الله - تعالى - وتزعمون أنها شفعاؤكم عنده ؟ !
{ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ } الآن من هذا العذاب المعد لكم { أَوْ يَنتَصِرُونَ } هم من العذاب الذى سيحل بهم معكم ؟
كلا ثم كلا ، إنكم وهم حصب جهنم ، وستدخلونها جميعا خاسئين .
وليس المقصود بالسؤال الاستفهام ، وإنما المقصود به التقريع والتوبيخ ، ولذا لا يحتاج إلى جواب .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأُزْلِفَتِ الْجَنّةُ لِلْمُتّقِينَ * وَبُرّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ * وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ * فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : وأُزْلِفَتِ الجَنّةُ للْمُتّقِينَ وأدنيت الجنة وقرّبت للمتقين ، الذين اتقوا عقاب الله في الاَخرة بطاعتهم إياه في الدنيا وَبُرّزَتِ الجَحِيمُ للْغاوِينَ يقول : وأظهرت النار للذين غووا فضلوا عن سواء السبيل وَقِيلَ للغاوين أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ من الأنداد هَلْ يَنْصُرونَكُمْ اليوم من الله ، فينقذونكم من عذابه أوْ يَنْتَصِرُونَ لأنفسهم ، فينجونها مما يُرَاد بها ؟
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{من دون الله} لأنهم عبدوا الشيطان... {هل ينصرونكم أو ينتصرون} يعني: هل يمنعونكم النار، أو يمتنعون منها.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 90]
"وَقِيلَ" للغاوين "أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ" من الأنداد؟ "هَلْ يَنْصُرونَكُمْ" اليوم من الله، فينقذونكم من عذابه؟ "أوْ يَنْتَصِرُونَ" لأنفسهم، فينجونها مما يُرَاد بها؟
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 92]
ثم أخبر أنه يقال لهم، يعني للغاوين على وجه التوبيخ لهم والتقريع "أين ما كنتم تعبدون من دون الله "وإنما وبخوا بلفظ الاستفهام، لأنه لا جواب لهم عن ذلك إلا بما فيه فضيحتهم...
"هل ينصرونكم" ويدفعون عنكم العقاب في هذا اليوم. "أو ينتصرون" لكم إذا عوقبتم!، فمن عبدها، فهو الغاوي في عبادته، لا يملك رفع الضرر عن نفسه، ولا عن عابده مع أنه لاحق به.
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 92]
{وقيل لهم أين ما كنتم} إلى قوله: {وجنود إبليس أجمعون} والمعنى أين آلهتكم هل ينفعونكم بنصرتهم لكم أو هل ينفعون أنفسهم بانتصارهم لأنهم وآلهتهم وقود النار. وهو قوله: {فكبكبوا فيها هم والغاوون}.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 92]
وقيل لأهلها تقريعا وتوبيخا: {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ} أي: ليست الآلهة التي عبدتموها من دون الله، من تلك الأصنام والأنداد تغني عنكم اليوم شيئًا، ولا تدفع عن أنفسها؛ فإنكم وإياها اليوم حَصَبُ جَهَنم أنتم لها واردون.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
وحقر معبوداتهم بقوله: {من دون} أي من أدنى رتبة من رتب {الله} أي الملك الذي لا كفوء له، وكنتم تزعمون أنهم يشفعون لكم ويقونكم شر هذا اليوم {هل ينصرونكم} فيمنعون عنكم ما برز لكم {أو ينتصرون} أي هم بالدفع عن أنفسهم.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الاستفهام في {هل ينصرونكم} كذلك مع الإنكار أن تكون الأصنام نصراء.
و {أو} للتخيير في التوبيخ والتخطئة، أي هل أخطأتم في رجاء نصرها إياكم، أو في الأقل هل تستطيع نَصر أنفسها وذلك حين يلقى بالأصنام في النار بمرأى من عبدتها ولذلك قال: {فكبكبوا فيها}، أي كبكبت الأصنام في جهنم.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
أين الأصنام أو الأشخاص التي حكم أوهامكم أن تعبدوها من دوني هل أمدتكم بنصر أو شفاعة أو تقريب زلفة أو حظوة، {أَوْ يَنتَصِرُونَ} أو هنا لمعنى الإضراب، فليست قائمة مقام أم والمعنى فيها الإضراب عن أن ينصروكم، أهم ينتصرون، بأن تحمى نفسها من عذاب، واقع أو متوقع، والاستفهام إنكاري لإنكار الواقع، فهو للتوبيخ، إذ كانوا يحسبون أن لها قوة تنصر، فتبين أنها لا تنصر غيرها، ولا تنتصر لنفسها.