فلما ذكر تعالى نعيم الجنة ، ووصفه بهذه الأوصاف الجميلة ، مدحه ، وشوَّق العاملين ، وحثَّهم على العمل فقال : { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } الذي حصل لهم به كل خير ، وكل ما تهوى النفوس وتشتهي ، واندفع عنهم به كل محذور ومكروه ، فهل فوز يطلب فوقه ؟ أم هو غاية الغايات ، ونهاية النهايات ، حيث حل عليهم رضا رب الأرض والسماوات ، وفرحوا بقربه ، وتنعموا بمعرفته واستروا برؤيته ، وطربوا لكلامه ؟
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا المؤمن الذي أعطاه الله ما أعطاه من كرامته في جنته سرورا منه بما أعطاه فيها أفمَا نَحْنُ بِمَيّتِينَ إلاّ مَوْتَتَنا الأُولى يقول : أفما نحن بميتين غير موتتنا الأولى في الدنيا ، وَما نَحْنُ بِمُعَذّبِينَ يقول : وما نحن بمعذّبين بعد دخولنا الجنة إنّ هَذا لَهُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ يقول : إن هذا الذي أعطاناه الله من الكرامة في الجنة ، أنا لا نعذّب ولا نموت ، لهو النّجاء العظيم مما كنا في الدنيا نحذر من عقاب الله ، وإدراك ما كنا فيها ، نؤمل بإيماننا ، وطاعتنا ربنا ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد عن قتادة ، قوله : أَفَمَا نَحْنُ بِمَيّتِينَ . . . إلى قوله : الفَوْزُ العَظِيمُ قال : هذا قول أهل الجنة . ***
وقول المؤمن { أفما نحن } إلى قوله { بمعذبين } يحتمل أن يكون مخاطبة لرفقائه في الجنة لما رأى ما نزل بقرينه ، ونظر إلى حاله في الجنة وحال رفقائه قدر النعمة قدرها فقال لهم على جهة التوقيف على النعمة { أفما نحن بميتين } ولا معذبين ، ويجيء على هذا التأويل قوله { إن هذا لهو الفوز العظيم } إلى قوله { العاملون } ، متصلاً بكلامه خطاباً لرفقائه ، ويحتمل قوله { أفما نحن } إلى قوله { بمعذبين } أن تكون مخاطبة لقرينه على جهة التوبيخ ، كأنه يقول أين الذي كنت تقول من أنا نموت وليس بعد الموت عقاب ولا عذاب .
ويكون قوله تعالى : { إن هذا لهو الفوز } إلى { العاملون } يحتمل أن يكون من خطاب المؤمن لقرينه ، وإليه ذهب قتادة ، ويحتمل أن يكون من خطاب الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته ويقوى هذا لأن قول المؤمن لمثل هذا فليعمل ، والآخرة ليست بدار عمل يقلق إلا على تجوز كأنه يقول لمثل هذا كان ينبغي أن يعمل { العاملون } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
فقال عند ذلك: {إن هذا لهو الفوز العظيم} ثم انقطع كلام المؤمن.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"إنّ هَذا لَهُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ" يقول: إن هذا الذي أعطاناه الله من الكرامة في الجنة، أنا لا نعذّب ولا نموت، لهو النّجاء العظيم مما كنا في الدنيا نحذر من عقاب الله، وإدراك ما كنا فيها، نؤمل بإيماننا.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
إخبار منه تعالى بأن هذا الثواب الذي حصل له لهو الفلاح العظيم.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
يقال: بل الملائكةُ يقولون لهم هذا،ويقال إِنْ كان العابدُ يقول هذا، أو يقال له هذا إذا ظهرت الجنة، فإِنه إذا بَدَتْ شظيةٌ من الحقائق وتباشير الوصلة، أو ذَرَّةٌ من نسيم القربة، فبالحريِّ أن يقول القائلون: لِمِثْلِ هذه الحالة تُبْذَلُ الأرواحُ.
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
فيقولون: {إن هذا لهو الفوز العظيم}، وقيل: إنما يقولونه على جهة الحديث بنعمة الله عليهم في أنهم لا يموتون ولا يعذبون. وقيل: يقوله المؤمن لقرينه على جهة التوبيخ بما كان ينكره.
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :
يحتمل أن يكون من كلام المؤمن، أو من كلامه وكلام رفقائه في الجنة أو من كلام الله تعالى، والأول أرجح فيه أن يكون من كلام الله تعالى؛ لأن الذي بعده من كلام الله، فيكون متصلا به، ولأن الأمر بالعمل إنما هو حقيقة في الدنيا؛ ففيه تحضيض على العمل الصالح.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما تذكر هذا فاستفزه السرور، وازدهته الغبطة والحبور، لم يملك نفسه أن قال في أسلوب التأكيد لما له في ذلك من النشاط لما له من خرق العادة منبهاً على عظمته لتعظيم الغبطة: {إن هذا} أي الملك الذي نحن فيه {لهو} أي وحده.
{الفوز العظيم} أي الذي لا شيء يعدله.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
فلما ذكر تعالى نعيم الجنة، ووصفه بهذه الأوصاف الجميلة، مدحه، وشوَّق العاملين، وحثَّهم على العمل فقال: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي حصل لهم به كل خير، وكل ما تهوى النفوس وتشتهي، واندفع عنهم به كل محذور ومكروه، فهل فوز يطلب فوقه؟ أم هو غاية الغايات، ونهاية النهايات، حيث حل عليهم رضا رب الأرض والسماوات، وفرحوا بقربه، وتنعموا بمعرفته واستروا برؤيته، وطربوا لكلامه؟...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الظاهر أن جملة {إنَّ هذا لهو الفَوزُ العظِيمُ} حكاية لبقية كلام القائل لرفاقه، فهي بمنزلة التذييل والفذلكة لحالتهم المشاهدِ بعضُها والمتحدثِ عن بعضها بقوله: {أفما نحنُ بِمَيّتِين}.
{الفوز}: الظفر بالمطلوب، أي حالنا هو النجاح والظفر العظيم، قد أُبدع في تصوير حسن حالهم بحصر الفوز فيه، حتى كان كل فوز بالنسبة إليه ليس بفوز،فالحصر للمبالغة لِعدم الاعتداد بغيره، ثم ألحقوا ذلك الحصر بوصفه ب {العظيم}.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
عندما أدركوا أن ما تمنوه من حياة الخلود هو بفضل الله عليهم من باب تحصيل الحاصل، تيقنوا أن ما يشغل الناس في الدنيا ويلهيهم عن الله إنما هو ظل زائل، أما نعيم الآخرة فهو وحده النعيم المقيم.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وأيّ فوز أعظم من الخلود في نعيم الجنة في رضوانٍ من الله ورحمته ولطفٍ كبير.