ثم ختم - سبحانه - القصة ببيان النهاية الأليمة لهؤلاء المفسدين من قوم لوط فقال - تعالى - { فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } .
والصيحة : من الصياح وهو الصوت الشديد . يقال : صاح فلان إذا رفع صوته بشدة . وأصل ذلك تشقيق الصوت من قولهم : انصاح الخشب أو الثوب ، إذا انشق فسمع منه صوت . قالوا : وكل شئ أهلك به قوم فهو صيحة وصاعقة .
و { مشرقين } : اسم فاعل من أشرقوا إذا دخلوا فى وقت شروق الشمس ، أى : أن الله - تعالى - بعد أن أخبر لوطا - عليه السلام - بإهلاك قومه ، وأمره عن طريق الملائكة - بالخروج ومعه المؤمنون من هذه المدينة . . جاءت الصيحة الهائلة من السماء فأهلكتهم جميعاً وهم داخلون فى وقت شروق الشمس .
وقال - سبحانه - قبل ذلك : { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ } وقال هنا { فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ } للإِشارة إلى أن ابتداء عذابهم كان عند الصباح وانتهاءه باستئصال شأفتهم كان مع وقت الشروق .
وقوله : فَأَخَذَتْهُمْ الصّيْحَةُ مُشْرِقِينَ يقول تعالى ذكره : فأخذتهم صاعقة العذاب ، وهي الصيحة مشرقين : يقول : إذ أشرقوا ، ومعناه : إذ أشرقت الشمس . ونصب «مشرقين » و «مصبحين » على الحال بمعنى : إذ أصبحوا ، وإذ أشرقوا ، يقال منه : صِيح بهم ، إذا أهلكوا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : فَأخَذَتْهُمُ الصّيْحَةُ مُشْرِقِينَ قال : حين أشرقت الشمس ذلك مشرقين .
قال القاضي أبو محمد : وهذه «الصيحة » هي صيحة الوجبة{[7207]} وليست كصيحة ثمود ، وأهلكوا بعد الفجر مصبحين واستوفاهم الهلاك مشرقين ، وخبر قوله { لعمرك } محذوف تقديره لعمرك قسمي أو يميني ، وفي هذا نظر ، وقرأ ابن عباس و «عمرك » ، وقرأ الأشهب العقيلي «لفي سُكرتهم » بضم السين ، وقرأ ابن أبي عبلة «لفي سكراتهم » ، وقرأ الأعمش «لفي سكرهم » بغير تاء ، وقرأ أبو عمرو في رواية الجهضمي «أنهم في سكرتهم » بفتح الألف .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
فأخذتهم صاعقة العذاب، وهي الصيحة مشرقين: يقول: إذ أشرقوا، ومعناه: إذ أشرقت الشمس. ونصب «مشرقين» و «مصبحين» على الحال بمعنى: إذ أصبحوا، وإذ أشرقوا، يقال منه: صِيح بهم، إذا أهلكوا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فأخذتهم الصيحة مشرقين} قد ذكرنا في غير موضع اختلافهم في الصيحة؛ قال بعضهم: الصيحة، هي العذاب نفسه؛ أي أخذهم العذاب، وقال بعضهم: سمى صيحة لسرعة نزوله بهم وأخذه إياهم..
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"فأخذتهم الصيحة مشرقين" فالأخذ: فعل يصير به الشيء في جهة الفاعل، فالصيحة كأنها أخذتهم بما صاروا في قبضتها حتى هلكوا عن آخرهم. والصيحة: صوت يخرج من الفم بشدة ويقال: إن الملك صاح بهم صيحة أهلكتهم. ويجوز أن يكون جاء صوت عظيم من فعل الله كالصيحة.
ومعنى "مشرقين": داخلين في الاشراق.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} وهي ما جاءهم من الصوت القاصف عند شروق الشمس، وهو طلوعها، وذلك مع رفع بلادهم إلى عَنان السماء ثم قلْبها، وجعل عاليها سافلها، وإرسال حجارة السجيل عليهم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
... {فأخذتهم} أي أخذ انتقام وغلبة {الصيحة} أي التي هي لعظمها وهولها هي الصيحة، وغيرها عدم بالنسبة إليها...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم تكون الخاتمة. وتحق عليهم كلمة الله:"ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذن منظرين". وإذا نحن أمام مشهد الدمار والخراب والخسف والهلاك المناسب لتلك الطبائع المقلوبة: "فأخذتهم الصيحة مشرقين".
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {فأخذتهم الصيحة مشرقين} تفريع على جملة {وقضينا إليه ذلك الأمر} [سورة الحجر: 66].
{والصيحة}: صعْقة في الهواء، وهي صواعق وزلازل وفيها حجارة من سجّيل.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
ثم قال في وصف العذاب: {فأخذتهم الصيحة مشرقين} كأن بالأرض رجفة شديدة هزت قشرة الأرض وتكسرت، فانخفض بعض أجزائها، وعلا الآخر، وبذلك ابتلعت الأرض ديارهم بمن فيها...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
...ولعلّ الصيحة كناية عن العذاب الذي نزل بهم بشكل مفاجئ، كما هي الصرخة التي تنطلق بطريقةٍ غير متوقعةٍ...