{ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } أي : أرسلني الله إليكم ، رحمة بكم ، واعتناء بكم ، وأنا أمين ، تعرفون ذلك مني . رتب على ذلك قوله : { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } .
أي : أدوا حق الله تعالى ، وهو التقوى ، وأدوا حقي ، بطاعتي فيما آمركم به ، وأنهاكم عنه ، فهذا موجب لأن تتبعوني وتطيعوني وليس ثَمَّ مانع يمنعكم من الإيمان .
ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك ، جانبا من قصة هود - عليه السلام - مع قومه فقال - تعالى - : { كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين . . . . } .
قد وردت قصة هود مع قومه فى سور شتى منها : سورة الأعراف ، وهود ، والأحقاف . . وينتهى نسب هود - عليه السلام - إلى نوح - عليهما السلام - .
وقومه هم قبيلة عاد - نسبة إلى أبيهم الذى كان يسمى بهذا الاسم - وكانت مساكنهم بالأحقاف باليمن - والأحقاف جمع حقف وهو الرمل الكثير المائل - .
وكانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله - تعالى - نبيهم هودا لينهاهم عن ذلك ، وليأمرهم بعبادة الله وحده ، وبشكره - سبحانه - على ما وهبهم من قوة وغنى .
وقد افتتح هود نصحه لقومه ، بحضهم على تقوى الله وإخلاص العبادة له وبيان أنه أمين فى تبليغ رسالة الله - تعالى - إليهم ، فهو لا يكذب عليهم ولا يخدعهم ، وببيان أنه لا يسألهم أجرا على نصحه لهم ، وإنما يلتمس الأجر من الله - تعالى - وحده .
وقد سلك فى ذلك المسلك الذى اتبعه جده - عليه السلام - مع قومه ، وسار عليه الأنبياء من بعده .
وهذا إخبار من [ الله تعالى عن ]{[21805]} عبده ورسوله هود ، عليه السلام ، أنه دعا قومه عادًا ، وكانوا قومًا يسكنون الأحقاف ، وهي : جبال الرمل قريبًا من بلاد حضرموت متاخمة{[21806]} لبلاد اليمن ، وكان زمانهم بعد قوم نوح ، [ كما قال في " سورة الأعراف " : { وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ]{[21807]} وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً } [ الأعراف : 69 ] وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب ، والقوة والبطش الشديد ، والطول المديد ، والأرزاق الدارة ، والأموال والجنات{[21808]} والعيون ، والأبناء والزروع والثمار ، وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله معه ، فبعث الله إليهم رجلا منهم رسولا وبشيرًا ونذيرًا ، فدعاهم إلى الله وحده ، وحذرهم نقمته وعذابه في مخالفته ، فقال لهم كما قال نوح لقومه ، إلى أن قال : { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ } ،
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 123]
يقول تعالى ذكره:"كَذّبَتْ عَادٌ" رسل الله إليهم، "إذْ قالَ لَهُمْ أخُوهُمْ هُودٌ ألاَ تَتّقُونَ "عقاب الله على كفركم به. "إنّي لَكُمْ رَسُولٌ" من ربي يأمركم بطاعته، ويحذّركم على كفركم بأسه، "أمِينٌ" على وحيه ورسالته. "فاتّقُوا اللّهَ" بطاعته والانتهاء إلى ما يأمركم وينهاكم. "وأطِيعُونِ" فيما آمركم به من اتقاء الله وتحذيركم سطوته. "وَما أسألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ" يقول: وما أطلب منكم على أمري إياكم باتقاء الله جزاء ولا ثوابا. "إنْ أجْرِيَ إلاّ عَلى رَبّ العالَمِينَ" يقول: ما جزائي وثوابي على نصيحتي إياكم إلا على ربّ العالمين.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 123]
وهذا إخبار من [الله تعالى عن] عبده ورسوله هود، عليه السلام، أنه دعا قومه عادًا، وكانوا قومًا يسكنون الأحقاف، وهي: جبال الرمل قريبًا من بلاد حضرموت متاخمة لبلاد اليمن، وكان زمانهم بعد قوم نوح، [كما قال في "سورة الأعراف ": {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ] وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً} [الأعراف: 69] وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب، والقوة والبطش الشديد، والطول المديد، والأرزاق الدارة، والأموال والجنات والعيون، والأبناء والزروع والثمار، وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله معه، فبعث الله إليهم رجلا منهم رسولا وبشيرًا ونذيرًا، فدعاهم إلى الله وحده، وحذرهم نقمته وعذابه في مخالفته، فقال لهم كما قال نوح لقومه، إلى أن قال: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ}،
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فاتقوا} أي فتسبب عن ذلك أني أقول لكم: اتقوا {الله} الذي هو أعظم من كل شيء {وأطيعون} أي في كل ما آمركم به من دوام تعظيمه.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 125]
أي: أدوا حق الله تعالى، وهو التقوى، وأدوا حقي، بطاعتي فيما آمركم به، وأنهاكم عنه، فهذا موجب لأن تتبعوني وتطيعوني وليس ثَمَّ مانع يمنعكم من الإيمان.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 123]
(كذبت عاد المرسلين. إذ قال لهم أخوهم هود: ألا تتقون؟ إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون. وما أسألكم عليه من أجر، إن أجري إلا على رب العالمين).. فهي الكلمة الواحدة يقولها كل رسول: دعوة إلى تقوى الله وطاعة رسوله. وإعلان للزهد فيما لدى القوم من عرض الحياة، وترفع عن قيم الأرض الزائلة، وتطلع إلى ما عند الله من أجر كريم.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 123]
هي التي قدمت بها قصة نوح عليه السلام، وذكرها هنا ليس تكرارا من غير معان واضحة بينة، وهي تدل أولا على أن الكافرين بالرسل لا يعارضون الآيات، وينكرونها، إنما هم لجحودهم ينكرون أصل الرسالة الإلهية إلى البشر، فهم لا يؤمنون بالله تعالى، إذ لا يؤمنون بالغيب، وإنما يؤمنون بالأمور المحسوسة فقط، والإيمان بالغيب هو التدين، كما قال تعالى في أوصاف المؤمنين اللذين يؤمنون بالغيب. وتدل ثانيا على أن الرسل أمناء الله تعالى على خلقه، وإرشادهم وتقويمهم، كما كان يقول كل رسول: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} وهم يكونون من المعروفين بالأمانة في أقوالهم، لتكون شهرتهم بالأمانة دليلا على صدقهم ابتداء، فلا يفاجئون بما يتوهم كذبه. وتدل ثالثا على أن رسل الله لا مطمع لهم في أمر دنيوي، إنما يريدون الهداية والتقوى والإيمان، وأنهم لا يرجون أجرا إلا من رب العالمين يوم تجزى كل نفس ما كسبت. وتدل رابعا على أن التقوى مطلب النبيين أجمعين، ولذلك قال كل منهم في مبدأ دعوته {فاتقوا الله}. وتدل خامسا على أن طاعة الرسول واجبة لأنها طاعة الله تعالى، وكما قال الله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله (80)} [النساء] وإن ذلك ليس تكرارا، ولكنه تأكيد بيان طبائع المشركين وبيان هداية الرسل.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 123]
وهذه قصة نبي آخر من الأنبياء، قصة هود الذي أرسله الله إلى قومه عاد، وهم من العرب العاربة الأولى الذين كانوا يسكنون الأحقاف من جزيرة العرب، ولهم مدنية راقية وأراضٍ خصبة وديار معمورة، فطغوا وبغوا وتجبّروا وكذبوا الرسل، فأهلكهم الله بالريح العقيم وخرب ديارهم وعفا آثارهم. {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} إنه المنطق نفسه الذي جاء به نوح لقومه في الدعوة إلى الإيمان من موقع التقوى الذي يقود الإنسان إلى التفكير في كل ما يعرض عليه من أفكار وآراء، ولا بد له من أن يخاف الابتعاد عن الحق إذا أنكرها من خلال الإِهمال واللاّمبالاة والهروب من مواجهتها بالفكر الواعي المسؤول، فيقع في النتائج الصعبة التي يواجهها كل من أنكر الحق والتزم الباطل، بإرادةٍ أو بإهمال.