ومن صفاتكم - أيضا - أنكم { وَتُحِبُّونَ المال حُبّاً جَمّاً } أى : حبا كثيرا مع حرص وشَرَه . يقال : جمّ الماء فى الحوض ، إذا كثر واجتمع ، ومنه الجَمُوع للبئر الكثيرة الماء .
والحب المفرط للمال من الصفات الذميمة ، لأنه يؤدى إلى جمعه من كل طريق ، بدون تفرقة بين ما يحل منه وما يحرم .
فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف هذا النوع من الناس ، بأنه قد جمع فى سوء سلوكه ، بين النطق بالقبيح من الأقوال ، وبين ارتكاب القبيح من الأفعال ، وهى : ترك اليتيم بلا رعاية ، وعدم الحض على إطعام المحتاج ، وجمع المال الموروث بدون تفرقة بين حلاله وحرامه ، والإِفراط فى حب المال بطريقة ذميمة
وتحبون المال حبا كثيرا طاغيا ، لا يستبقي في نفوسكم أريحية ولا مكرمة مع المحتاجين إلى الإكرام والطعام .
وقد كان الإسلام يواجه في مكة - كما ذكرنا من قبل - حالة من التكالب على جمع المال بكافة الطرق ، تورث القلوب كزازة وقساوة . وكان ضعف اليتامى مغريا بانتهاب أموالهم وبخاصة الإناث منهم في صور شتى ؛ وبخاصة ما يتعلق في الميراث [ كما سبق بيانه في مواضع متعددة في الظلال ] كما كان حب المال وجمعه بالربا وغيره ظاهرة بارزة في المجتمع المكي قبل الإسلام . وهي سمة الجاهليات في كل زمان ومكان ! حتى الآن !
وفي هذه الآيات فوق الكشف عن واقع نفوسهم ، تنديد بهذا الواقع ، وردع عنه ، يتمثل في تكرار كلمة " كلا " كما يتمثل في بناء التعبير وإيقاعه ، وهو يرسم بجرسه شدة التكالب وعنفه :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وتحبون جمع المال أيها الناس واقتناءه حبا كثيرا شديدا من قولهم : قد جمّ الماء في الحوض : إذا اجتمع .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال أبو بكر : أي تحبونه حبا وافيا وافرا ، ليس فيه قصور ، فيكون فيه إخبار عن غاية حبهم الدنيا وشدة حرصهم عليها . وجائز أن يكون على التقدير والتأخير ، وهو أنهم يحبون المال الجم حبا أي المال الكثير . ...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
أحدهما : يعني كثيراً ، قاله ابن عباس ، والجمّ الكثير ...
الثاني : فاحشاً تجمعون حلاله إلى حرامه ، قاله الحسن : ويحتمل ثالثاً : أنه يحب المال حب إجمام له واستيفاء فلا ينتفع به في دين ولا دنيا وهو أسوأ أحوال ذي المال . ...
فاعلم أن الجم هو الكثرة يقال : جم الشيء يجم جموما يقال ذلك في المال وغيره فهو شيء جم وجام ، وقال أبو عمرو جم يجم أي يكثر ... فبين أن حرصهم على الدنيا فقط وأنهم عادلون عن أمر الآخرة . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ وتحبون } أي على سبيل الاستمرار { المال } أي هذا النوع من أي شيء كان ، وأكده بالمصدر والوصف فقال : { حباً جماً } أي كثيراً مع حرص وشره ، فصار قصارى أمرهم النظر الدنيوي ، ولم يصرفوا أنفسهم عن حبه إلى ما دعا إليه العقل الذي يعقل النفس عن الهوى ، والحجر الذي يحجرها عن الحظوظ ، والنهية التي تنهاها عن الشهوات إلى الإقبال على الله . ...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
وخلاصة ذلك : أنتم تؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة ، إذ لو كنتم ممن غلب عليه حب الآخرة ، لانصرفتم عما يترك الموتى ميراثا لأيتامهم ، ولكنكم تشاركونهم فيه ، وتأخذون شيئا لا كسب لكم فيه ، ولا مدخل لكم في تحصيله وجمعه ، ولو كنتم ممن استحبوا الآخرة لما ضريت نفوسكم على المال تأخذونه من حيث وجدتموه ، من حلال أو من حرام . فهذه أدلة ترشد إلى أنكم لستم على ما ادعيتم من صلاح وإصلاح ....
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وتحبون المال حبا كثيرا طاغيا ، لا يستبقي في نفوسكم أريحية ولا مكرمة مع المحتاجين إلى الإكرام والطعام . وقد كان الإسلام يواجه في مكة - كما ذكرنا من قبل - حالة من التكالب على جمع المال بكافة الطرق ، تورث القلوب كزازة وقساوة . وكان ضعف اليتامى مغريا بانتهاب أموالهم وبخاصة الإناث منهم في صور شتى ؛ وبخاصة ما يتعلق في الميراث [ كما سبق بيانه في مواضع متعددة في الظلال ] كما كان حب المال وجمعه بالربا وغيره ظاهرة بارزة في المجتمع المكي قبل الإسلام . وهي سمة الجاهليات في كل زمان ومكان ! حتى الآن ! وفي هذه الآيات فوق الكشف عن واقع نفوسهم ، تنديد بهذا الواقع ، وردع عنه ، يتمثل في تكرار كلمة " كلا " كما يتمثل في بناء التعبير وإيقاعه ، وهو يرسم بجرسه شدة التكالب وعنفه : " وتأكلون التراث أكلا لما . وتحبون المال حبا جما ! " . . ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أي حباً كثيراً ، ووصْف الحُبّ بالكثرة مراد به الشدة لأن الحب معنى من المعاني النفسية لا يوصف بالكثرة التي هي وفرة عدد أفراد الجنس . فالجمّ مستعار لمعنى القوي الشديد ، أي حبّاً مفرطاً ، وذلك محل ذم حب المال ، لأن إفراد حبه يوقع في الحِرص على اكتسابه بالوسائل غير الحَق كالغصب والاختلاس والسرقة وأكل الأمانات . ...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
أي كثيراً عظيماً ، لأنكم تربيتم على الاستغراق في حب المال كجزءٍ من حب الدنيا التي استغرقتم فيها ، وأخلدتم إلى الأرض في كل إيحاءاتها المادية ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ثمّ يأتي الذّم الرّابع : ( وتحبّون المال حبّاً جمّاً ) . فأنتم . . عبدة دنيا ، طالبو ثروة ، عشاق مال ومتاع . . ومَن يكون بهذه الحال فمن الطبيعي أن لا يعتني في جمعه للمال ، أكان من حلال أم من حرام ، ومن الطبيعي أيضاً أن يتجاوز على الحقوق الشرعية المترتبة عليه ، بأن لا ينفقها أو ينقص منها . . ومن الطبيعي كذلك إنّ القلب الذي امتلأ بحبّ المال والدنيا سوف لا يبقى فيه محل لذكر اللّه عزّ وجلّ . ولذا نجد القرآن الكريم بعد ذكره لمسألة امتحان الإنسان ، يتعرض لأربعة اختبارات يفشل فيها المجرمون . إكرام اليتيم . إطعام المسكين . أسهم الإرث . وجمعه من طريق مشروع وغير مشروع . وجمع المال بدون قيد أو شرط . والملاحظ أنّ الاختبارات المذكورة إنّما تدور حول محور الأموال ، للإشارة ما للمال من مطبات مهلكة ، ولو تجاوزها الإنسان لسهلت عليه بقية العقبات في طريقه نحو التكامل والرقي والسمو . وثمّة مَن يكون متذبذباً في الأمانة ( بين أن يؤدي أو يخون ) ، .....والخلاصة : من تجاوز اختبار المال بنجاح ، فهو أهلٌ للاعتماد ، ومن أهل التقوى والورع ، وهو خير أخ وصديق ، وغالباً ما تراه صالحاً في كافة مجالات حياته والمجتمع . ولذلك ، نرى الاختبارات هنا دارت حول محور المال . ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.