في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَكۡثَرُواْ فِيهَا ٱلۡفَسَادَ} (12)

هؤلاء هم " الذين طغوا في البلاد ، فأكثروا فيها الفساد " . . وليس وراء الطغيان إلا الفساد . فالطغيان يفسد الطاغية ، ويفسد الذين يقع عليهم الطغيان سواء . كما يفسد العلاقات والارتباطات في كل جوانب الحياة . ويحول الحياة عن خطها السليم النظيف ، المعمر الباني ، إلى خط آخر لا تستقيم معه خلافة الإنسان في الأرض بحال . .

إنه يجعل الطاغية أسير هواه ، لأنه لا يفيء إلى ميزان ثابت ، ولا يقف عند حد ظاهر ، فيفسد هو أول من يفسد ؛ ويتخذ له مكانا في الأرض غير مكان العبد المستخلف ؛ وكذلك قال فرعون . . " أنا ربكم الأعلى " عندما أفسده طغيانه ، فتجاوز به مكان العبد المخلوق ، وتطاول به إلى هذا الادعاء المقبوح ، وهو فساد أي فساد .

ثم هو يجعل الجماهير أرقاء أذلاء ، مع السخط الدفين والحقد الكظيم ، فتتعطل فيهم مشاعر الكرامة الإنسانية ، وملكات الابتكار المتحررة التي لا تنمو في غير جو الحرية . والنفس التي تستذل تأسن وتتعفن ، وتصبح مرتعا لديدان الشهوات الهابطة والغرائز المريضة . وميدانا للانحرافات مع انطماس البصيرة والإدراك . وفقدان الأريحية والهمة والتطلع والارتفاع ، وهو فساد أي فساد . .

ثم هو يحطم الموازين والقيم والتصورات المستقيمة ، لأنها خطر على الطغاة والطغيان . فلابد من تزييف للقيم ، وتزوير في الموازين ، وتحريف للتصورات كي تقبل صورة البغي البشعة ، وتراها مقبولة مستساغة . . وهو فساد أي فساد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَكۡثَرُواْ فِيهَا ٱلۡفَسَادَ} (12)

و { الفساد } : سوء حال الشيء ولحاق الضر به قال تعالى : { وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل } [ البقرة : 205 ] . وضد الفساد الصلاح قال تعالى : { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } [ الأعراف : 56 ] وكان ما أكثروه من الفساد سبباً في غضب الله عليهم ، والله لا يحب الفساد فصب عليهم العذاب .