تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرۡدِينِ} (56)

ف { قَالَ } له لائما على حاله ، وشاكرا للّه على نعمته أن نجاه من كيده : { تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ } أي : تهلكني بسبب ما أدخلت عليَّ من الشُّبَه بزعمك .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرۡدِينِ} (56)

ثم يحكى القرآن بعد ذلك ما قاله ذلك الرجل المؤمن لقرينه فى الدنيا بعد أن رآه فى وسط الجحيم فيقول : { قَالَ تالله إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ . وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ المحضرين } .

وقوله : { تالله } قسم فيه معنى التعجب ، و { إن } مخففة من الثقيلة . واللام فى قوله : { لَتُرْدِينِ } هى الفارقة بين إن المخففة والنافية ، والجملة جواب القسم ، وتردين : أى تهلكنى يقال : أردى فلان فلانا إذا أهلكه . ورَدِىَ فلان - من باب رَضِىَ - إذا هلك .

و { المحضرين } من الإحضار ، يقال : أُحْضِر المجرم ليلقى جزاءه ، وهذا اللفظ يستعمل عند الإِطلاق فى الشر ، إذ يدل على السوق مع الإِكراه والقسر .

أى : قال الرجل المؤمن لقرينه الملقى فى وسط جهنم ، وحق الله - تعالى - لقد كدت أيها القرين أن تهلكنى بصدك إياى عن الإِيمان بالبعث والحساب ولولا نعمة ربى علىّ ، حيث عصمنى من طاعتك ، ووفقنى للإِيمان . . لكنت اليوم من الذين أحضروا للعذاب مثلك ومثل أشباهك ، ولساقنى ملائكة العذاب إلى هذا المصير الأليم الذى أنت فيه اليوم ، فحمدا لله - تعالى - على الإِيمان والهداية .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرۡدِينِ} (56)

أي لتهلكني بإغوائك ، والردى الهلاك ومنه قول الأعشى : [ المتقارب ]

أفي الطوف خفت علي الردى . . . وكم من رد أهله لم يرم{[9860]}

وفي مصحف عبد الله بن مسعود «إن كدت لتُغوين » بالواو من الغي ، وذكرها أبو عمرو الداني بالراء من الإغراء والتاء في هذا كله مضمومة .


[9860]:البيت من قصيدة قالها الأعشى يمدح قيس بن معد يكرب، والشاعر يخاطب ابنته في البيت، وقد كانت تخشى عليه الهلاك لطول تطوافه وكثرة أسفاره، فيقول لها: أتخافين عليّ الموت لذلك؟ فانظري كم إنسان يناله الردى فيموت وهو مقيم لا يبرح ديار أهله، إنهم كثيرون. والطوف: التطواف والسفر الكثير، والردى: الهلاك، وهو موضع الشاهد. قال أبو عبيدة:"يقال: أرديته: أهلكته، وردي هو: هلك".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرۡدِينِ} (56)

وجملة { قالَ تالله إن كِدتَ لتُرْدِينِ } مستأنفة استئنافاً بيانيّاً لأن وصف هذه الحالة يثير في نفس السامع أن يسأل : فماذا حصل حين اطلع ؟ فيجاب بأنه حين رأى قرينه أخذ يوبخه على ما كان يحاوله منه حتى كاد أن يلقيه في النار مثله . وهذا التوبيخ يتضمن تنديمه على محاولة إرجاعه عن الإِسلام .

والقَسَم بالتاء من شأنه أن يقع فيما جواب قسَمِه غريب ، كما تقدم في قوله تعالى : { قالوا تاللَّه لقد علمتم } في سورة [ يوسف : 73 ] ، وقوله : { وتاللَّهِ لأكيدن أصنامكم } في سورة [ الأنبياء : 57 ] . ومحل الغرابة هو خلاصهُ من شبكة قرينه واختلاف حال عاقبتيهما مع ما كانا عليه من شدة الملازمة والصحبة وما حفّه من نعمة الهداية وما تورط قرينه في أوحال الغواية .

و { إنْ } مخففة من الثقيلة واتصل بها الفعل الناسخ على ما هو الغالب في أحوالها إذا أُهملت . واللام الداخلة على خبر كاد هي الفارقة بين { إن } المخففة والنافية . و « ترديني » تُوقِعُنِي في الرَّدَى وهو الهلاك ، وأصل الردى : الموت ثم شاعت استعارته لسوء الحال تشبيهاً بالموت لما شاع من اعتبار الموت أعظم ما يصاب به المرء .

والمعنى : أنك قاربت أن تفضي بي إلى حال الردى بإلحاحك في صرفي عن الإِيمان بالبعث لفرط الصحبة . ولولا نعمة هداية الله وتثبيته لكنت من المحضَرين معك في العذاب .

وقرأ الجمهور { لَتُرْدِينِ } بنون مكسورة في آخره دون ياء المتكلم على التخفيف ، وهو حذف شائع في الاستعمال الفصيح وهو لغة أهل نجد .

وكتب في المصاحف بدون ياء . وقرأه ورش عن نافع بإثبات الياء ولا يُنافي رسم المصحف لأن كثيراً من الياءات لم تكتب في المصحف ، وقرأ القراء بإثباتها فإن كتّاب المصحف قد حذفوا مدوداً كثيرة من ألفات وياءات .

والمحضرون : أريد بهم المحضرون في النار ، أي لكنت من المحضرين معك للعذاب . وقد كثر إطلاق المُحْضَر ونحوه على الذي يُحضر لأجل العقاب . وقد فسر بعض المفسرين القرين هنا بالشيطان الذي يلازم الإِنسان لإِضلاله وإغوائه . وطريقُ حكاية تصدّي القائل من أهل الجنة لإِخبار أهل مجلسه بحاله يبطل هذا التفسير لأنه لو كان المراد الشيطان لكان إخباره به غير مفيد فما من أحد منهم إلا كان له قرين من الشياطين ، وما منهم إلا عالم بأن مصير الشياطين إلى النار .

وقيل : نزلت في شريكين هما المشار إليهما في قوله تعالى : { واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب } في سورة [ الكهف : 32 ] .

وروي عن عطاء الخراساني : أنها نزلت في أخوين مؤمن وكافر ، كانا غنيين ، وكان المؤمن ينفق ماله في الصدقات وكان الكافر ينفق ماله في اللذات . وفي هذه الآية عبرة من الحذر من قرناء السوء ووجوب الاحتراس مما يدعون إليه ويزيّنونه من المهالك .