ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك جانبا من مظاهر نعمه ، على هذا الإِنسان الجاهل والمغرور . فقال - تعالى - : { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ . وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ . وَهَدَيْنَاهُ النجدين } .
والاستفهام هنا للتقرير ، لأن الله - تعالى - قد جعل له كل ذلك ، ولكنه لم يشكر الله - تعالى - على هذه النعم ، بل قابلها بالجحود والبطر . .
أى : لقد جعلنا لهذا الإِنسان عينين ، يبصر بهما ، وجعلنا له لسانا ينطق به ، وشفتين - وهما الجلدتان اللتان تستران الفم والأسنان - تساعدانه على النطق الواضح السليم .
واقتصر - سبحانه - على العينين ، لأنهما أنفع المشاعر ، ولأن المقصود إنكار ظنه أنه لم يره أحد ، ولأن الإِبصار حاصل بذاتهما .
وذكر - سبحانه - اللسام وذكر معه الشفتين ، للدلالة على أن النطق السليم ، لا يتأتى إلا بوجودهما معا ، فاللسان لا ينطق نطقا صحيحا بدون الشفتين ، وهما لا ينطقان بدونه .
وأمام هذا الغرور الذي يخيل للإنسان أنه ذو منعة وقوة ، وأمام ضنه بالمال وادعائه أنه بذل الكثير ، يجابهه القرآن بفيض الآلاء عليه في خاصة نفسه ، وفي صميم تكوينه ، وفي خصائص طبيعته واستعداداته تلك الآلاء التي لم يشكرها ولم يقم بحقها عنده :
( ألم نجعل له عينين ? ولسانا وشفتين ? وهديناه النجدين ? ) . .
إن الإنسان يغتر بقوته ، والله هو المنعم عليه بهذا القدر من القوة . ويضن بالمال . والله هو المنعم عليه بهذا المال . ولا يهتدي ولا يشكر ، وقد جعل له من الحواس ما يهديه في عالم المحسوسات : جعل له عينين على هذا القدر من الدقة في تركيبهما وفي قدرتهما على الإبصار . وميزه بالنطق ،
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ نَجْعَل لّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النّجْدَينِ * فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } .
يقول تعالى ذكره : ألم نجعل لهذا القائل أهْلَكْتُ مالاً لُبَدا عينين يبصر بهما حُجَج الله عليه ، ولسانا يعبر به عن نفسه ما أراد ، وشفتين ، نعمة منا بذلك عليه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسانا وَشَفَتَيْنِ نِعَم من الله متظاهرة ، يقررك بها كيما تشكره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.