التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ عَادٌ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (123)

ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك ، جانبا من قصة هود - عليه السلام - مع قومه فقال - تعالى - : { كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين . . . . } .

قد وردت قصة هود مع قومه فى سور شتى منها : سورة الأعراف ، وهود ، والأحقاف . . وينتهى نسب هود - عليه السلام - إلى نوح - عليهما السلام - .

وقومه هم قبيلة عاد - نسبة إلى أبيهم الذى كان يسمى بهذا الاسم - وكانت مساكنهم بالأحقاف باليمن - والأحقاف جمع حقف وهو الرمل الكثير المائل - .

وكانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله - تعالى - نبيهم هودا لينهاهم عن ذلك ، وليأمرهم بعبادة الله وحده ، وبشكره - سبحانه - على ما وهبهم من قوة وغنى .

وقد افتتح هود نصحه لقومه ، بحضهم على تقوى الله وإخلاص العبادة له وبيان أنه أمين فى تبليغ رسالة الله - تعالى - إليهم ، فهو لا يكذب عليهم ولا يخدعهم ، وببيان أنه لا يسألهم أجرا على نصحه لهم ، وإنما يلتمس الأجر من الله - تعالى - وحده .

وقد سلك فى ذلك المسلك الذى اتبعه جده - عليه السلام - مع قومه ، وسار عليه الأنبياء من بعده .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ عَادٌ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (123)

وقوم هود كانوا يسكنون الأحقاف ، وهي جبال رملية قرب حضرموت من ناحية اليمن . وقد جاءوا بعد قوم نوح ، وكانوا ممن زاغت قلوبهم بعد فترة من الطوفان الذي طهر وجه الأرض من العصاة .

وقد وردت هذه القصة في الأعراف مفصلة وفي هود كما وردت في سورة " المؤمنون " بدون ذكر اسم هود وعاد . وهي تعرض هنا مختصرة بين طرفيها : طرف دعوة هود لقومه ، وطرف العاقبة التي انتهى إليها المكذبون منهم . وتبدأ كما بدأت قصة قوم نوح :

( كذبت عاد المرسلين . إذ قال لهم أخوهم هود : ألا تتقون ? إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون . وما أسألكم عليه من أجر ، إن أجري إلا على رب العالمين ) . .

فهي الكلمة الواحدة يقولها كل رسول : دعوة إلى تقوى الله وطاعة رسوله . وإعلان للزهد فيما لدى القوم من عرض الحياة ، وترفع عن قيم الأرض الزائلة ، وتطلع إلى ما عند الله من أجر كريم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ عَادٌ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (123)

وهذا إخبار من [ الله تعالى عن ]{[21805]} عبده ورسوله هود ، عليه السلام ، أنه دعا قومه عادًا ، وكانوا قومًا يسكنون الأحقاف ، وهي : جبال الرمل قريبًا من بلاد حضرموت متاخمة{[21806]} لبلاد اليمن ، وكان زمانهم بعد قوم نوح ، [ كما قال في " سورة الأعراف " : { وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ]{[21807]} وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً } [ الأعراف : 69 ] وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب ، والقوة والبطش الشديد ، والطول المديد ، والأرزاق الدارة ، والأموال والجنات{[21808]} والعيون ، والأبناء والزروع والثمار ، وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله معه ، فبعث الله إليهم رجلا منهم رسولا وبشيرًا ونذيرًا ، فدعاهم إلى الله وحده ، وحذرهم نقمته وعذابه في مخالفته ، فقال لهم كما قال نوح لقومه ، إلى أن قال : { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ } ،


[21805]:- زيادة من ف ، أ.
[21806]:- في ف : "متخمة".
[21807]:- زيادة من ف ، أ.
[21808]:- في أ : "والجنان".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ عَادٌ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (123)

القول في تأويل قوله تعالى : { كَذّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتّقُونَ * إِنّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَىَ رَبّ الْعَالَمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : كَذّبَتْ عَادٌ رسل الله إليهم إذْ قالَ لَهُمْ أخُوهُمْ هُودٌ ألاَ تَتّقُونَ عقاب الله على كفركم به إنّي لَكُمْ رَسُولٌ من ربي يأمركم بطاعته ، ويحذّركم على كفركم بأسه ، أمِينٌ على وحيه ورسالته فاتّقُوا اللّهَ بطاعته والانتهاء إلى ما يأمركم وينهاكم وأطِيعُونِ فيما آمركم به من اتقاء الله وتحذيركم سطوته وَما أسألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ يقول : وما أطلب منكم على أمري إياكم باتقاء الله جزاء ولا ثوابا إنْ أجْرِيَ إلاّ عَلى رَبّ العالَمِينَ يقول : ما جزائي وثوابي على نصيحتي إياكم إلا على ربّ العالمين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ عَادٌ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (123)

{ كذبت عاد المرسلين } أنثه باعتبار القبيلة وهو في الأصل اسم أبيهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ عَادٌ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (123)

{ عاد } قبيلة ، وانصرف للخفية ، وقيل هو اسم أبيهم وخاطبهم { هود } عليه السلام بمثل مخاطبة سائر الرسل ، ثم كلمهم فيما انفردوا به من الأفعال التي اقتضتها أحوالهم فقال { أتبنون } على جهة التوبيخ ، «والريع » المرتفع من الأرض ، ومنه قول المسيب ابن عباس يصف ظعناً : [ الكامل ]

في الآل يخفضها ويرفعها . . . ريع يلوح كأنَّه سحل{[8957]}

والسحل الثوب الأبيض ومنه قول ذي الرمة : [ الطويل ]

طراق الخوافي مشرق فوق ريعة . . . ندى ليله في ريشه يترقرق{[8958]}

ومنه قول الأعشى : [ المتقارب ]

وبهماء قفر تجاوزتها . . . إذا خب في ريعها آلها{[8959]}

ويقال «رِيع » بكسر الراء ويقال «رَيع » بفتحها ، وبها قرأ ابن أبي عبلة وعبر بعض المفسرين عن الريع بالطريق وبعضهم بالفج وبعضهم بالثنية الصغيرة .

قال القاضي أبو محمد : وجملة ذلك أنه المكان المشرف وهو الذي يتنافس البشر في مبانيه ، و «الآية » ، البنيان ، قال ابن عباس آية علم ، قال مجاهد أبراج الحمام ، قال النقاش وغيره القصور الطوال .


[8957]:المسيب (بفتح الياء المشددة) و (علس) بفتحتين، اسمه: زهير بن علس ابن مالك، والمسيب لقب به ببيت قاله. وهو من شعراء بكر بن وائل المعدودين، وخال الأعشى، والبيت في اللسان (ريع)، قال: الريع والرَّيع: الطريق المنفرج عن الجبل (عن الزجاج)، وفي الصحاح: الطريق، ولم يقيد، ومنه قول المسيب، شبه الطريق بالسحل، وهو الثوب الأبيض.
[8958]:البيت في (اللسان-ريع) وفي (طرق) أيضا، واستشهد به أبو عبيدة في مجاز القرآن، وطائر طراق الريش: إذا ركب بعضه بعضا، والخوافي: ما تحت القوادم في الطائر من الريش، والقوادم: جمع قادمة وهي أربع ريشات طويلة في أول جناح الطائر، قال: (فإن الخوافي قوة للقوادم)، والريع: المرتفع من الأرض، وقيل: الجبل، واختلفوا في الجمع والمفرد، ويترقرق: يلمع. يصف الطائر بأن ريش الخوافي فيه كثيف يركب بعضه على بعضه، وندى الليل يلمع في ريشه حين وقف فوق المكان المرتفع.
[8959]:البيت منسوب للأعشى هنا، وفي الطبري، ولم نجده في الديوان على الرغم من وجود قصيدة على نفس الوزن والقافية، واليهماء: الفلاة لا يهتدى فيها، وليس فيها ماء ولا أنيس، وتجاوزتها : قطعتها، وخب: تحرك واضطرب في سرعة، والآل: السراب، نسب سرعة الحركة والاضطراب إلى السراب في هذه الصحراء، والبيت شاهد على أن الريع هو المكان المرتفع.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ عَادٌ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (123)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"كَذّبَتْ عَادٌ" رسل الله إليهم، "إذْ قالَ لَهُمْ أخُوهُمْ هُودٌ ألاَ تَتّقُونَ "عقاب الله على كفركم به. "إنّي لَكُمْ رَسُولٌ" من ربي يأمركم بطاعته، ويحذّركم على كفركم بأسه، "أمِينٌ" على وحيه ورسالته. "فاتّقُوا اللّهَ" بطاعته والانتهاء إلى ما يأمركم وينهاكم. "وأطِيعُونِ" فيما آمركم به من اتقاء الله وتحذيركم سطوته. "وَما أسألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ" يقول: وما أطلب منكم على أمري إياكم باتقاء الله جزاء ولا ثوابا. "إنْ أجْرِيَ إلاّ عَلى رَبّ العالَمِينَ" يقول: ما جزائي وثوابي على نصيحتي إياكم إلا على ربّ العالمين.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أي كذبت جماعة عاد المرسلين. وقوله: {المرسلين} ما ذكرنا أن كل رسول، كان دعا قومه إلى الإيمان به وبجميع الرسل، فمن كذب واحدا منهم فقد كذب الكل.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

وهذا إخبار من [الله تعالى عن] عبده ورسوله هود، عليه السلام، أنه دعا قومه عادًا، وكانوا قومًا يسكنون الأحقاف، وهي: جبال الرمل قريبًا من بلاد حضرموت متاخمة لبلاد اليمن، وكان زمانهم بعد قوم نوح، [كما قال في "سورة الأعراف ": {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ] وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً} [الأعراف: 69] وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب، والقوة والبطش الشديد، والطول المديد، والأرزاق الدارة، والأموال والجنات والعيون، والأبناء والزروع والثمار، وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله معه، فبعث الله إليهم رجلا منهم رسولا وبشيرًا ونذيرًا، فدعاهم إلى الله وحده، وحذرهم نقمته وعذابه في مخالفته، فقال لهم كما قال نوح لقومه، إلى أن قال: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ}.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان كأنه قيل: إن هذا لأمر هائل، في مثله موعظة، فما فعل من جاء بعدهم؟ هل اتعظ؟ أجيب بقوله دلالة على الوصفين معاً: {كذبت عاد} أي تلك القبيلة التي مكن الله لها في الأرض بعد قوم نوح {المرسلين} بالإعراض عن معجزة هود عليه الصلاة والسلام.

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

جاءت هذه المقالة على لسان نوح وهود وصالح ولوط وشعيب للتنبيه إلى أن بعثة الأنبياء أسها الدعاء إلى معرفة الله وطاعته فيما يقرب المدعو إلى الثواب ويبعده من العقاب، وأن الأنبياء مجمعون على ذلك وإن اختلفوا في تفصيل الأحكام تبعا لاختلاف الأزمنة والعصور، وأن الأنبياء منزّهون عن المطامع الدنيوية ولا يأبهون بها، ولا يجعلونها قبلة أنظارهم ومحط رحالهم. ولما فرغ من دعائهم إلى الإيمان أتبعه إنكار بعض ما هم عليه فقال: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون}.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(كذبت عاد المرسلين. إذ قال لهم أخوهم هود: ألا تتقون؟ إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون. وما أسألكم عليه من أجر، إن أجري إلا على رب العالمين).. فهي الكلمة الواحدة يقولها كل رسول: دعوة إلى تقوى الله وطاعة رسوله. وإعلان للزهد فيما لدى القوم من عرض الحياة، وترفع عن قيم الأرض الزائلة، وتطلع إلى ما عند الله من أجر كريم.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

هي التي قدمت بها قصة نوح عليه السلام، وذكرها هنا ليس تكرارا من غير معان واضحة بينة، وهي تدل أولا على أن الكافرين بالرسل لا يعارضون الآيات، وينكرونها، إنما هم لجحودهم ينكرون أصل الرسالة الإلهية إلى البشر، فهم لا يؤمنون بالله تعالى، إذ لا يؤمنون بالغيب، وإنما يؤمنون بالأمور المحسوسة فقط، والإيمان بالغيب هو التدين، كما قال تعالى في أوصاف المؤمنين اللذين يؤمنون بالغيب. وتدل ثانيا على أن الرسل أمناء الله تعالى على خلقه، وإرشادهم وتقويمهم، كما كان يقول كل رسول: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} وهم يكونون من المعروفين بالأمانة في أقوالهم، لتكون شهرتهم بالأمانة دليلا على صدقهم ابتداء، فلا يفاجئون بما يتوهم كذبه. وتدل ثالثا على أن رسل الله لا مطمع لهم في أمر دنيوي، إنما يريدون الهداية والتقوى والإيمان، وأنهم لا يرجون أجرا إلا من رب العالمين يوم تجزى كل نفس ما كسبت. وتدل رابعا على أن التقوى مطلب النبيين أجمعين، ولذلك قال كل منهم في مبدأ دعوته {فاتقوا الله}. وتدل خامسا على أن طاعة الرسول واجبة لأنها طاعة الله تعالى، وكما قال الله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله (80)} [النساء] وإن ذلك ليس تكرارا، ولكنه تأكيد بيان طبائع المشركين وبيان هداية الرسل.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

وهذه قصة نبي آخر من الأنبياء، قصة هود الذي أرسله الله إلى قومه عاد، وهم من العرب العاربة الأولى الذين كانوا يسكنون الأحقاف من جزيرة العرب، ولهم مدنية راقية وأراضٍ خصبة وديار معمورة، فطغوا وبغوا وتجبّروا وكذبوا الرسل، فأهلكهم الله بالريح العقيم وخرب ديارهم وعفا آثارهم. {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} إنه المنطق نفسه الذي جاء به نوح لقومه في الدعوة إلى الإيمان من موقع التقوى الذي يقود الإنسان إلى التفكير في كل ما يعرض عليه من أفكار وآراء، ولا بد له من أن يخاف الابتعاد عن الحق إذا أنكرها من خلال الإِهمال واللاّمبالاة والهروب من مواجهتها بالفكر الواعي المسؤول، فيقع في النتائج الصعبة التي يواجهها كل من أنكر الحق والتزم الباطل، بإرادةٍ أو بإهمال..