التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ جَآءَتۡهُمۡ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ} (97)

وقوله : { إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ . وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم } توبيخ للكافرين على إصرارهم على الكفر ، وجحودهم للحق

والمراد بكلمة ربك : حكمه النافذ ، وقضاؤه الذي لا يرده ، وسنته التي لا تتغير ولا تتبدل في الهداية والإِضلال .

والمراد بالآية : المعجزات والبراهين الدالة على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - .

أى : إن الذين حكم الله - تعالى - عليهم بعدم الإِيمان - لأنهم استحبوا العمى على الهدى - لا يؤمنون بالحق الذي جئت به - أيها الرسول الكريم . . مهما سقت لهم من معجزات وبراهين دالة على صدقك . .

ولكنهم سيؤمنون بأن ما جئت به هو الحق ، حين يرون العذاب الأليم وقد نزل بهم من كل جانب .

وهنا سيكون إيمانهم كلا إيمان ، لأنه جاء في غير وقته ، وصدق الله إذ يقول : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا . . } وسيكون حالهم كحال فرعون ، الذي عندما أدركه الغرق قال آمنت .

وبذك ترى الآيات الكريمة قد نهت عن الشك والافتراء في شأن الحق الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأبلغ أسلوب ، وأقوى بيان ، كما بينت سنة من سنن الله في خلقه ، وهى أن من لا يأخذ بأسباب الهدى لا يهتدى ، ومن لا يفتح بصيرته للنور لا يراه ، فتكون نهايته إلى الضلال ، مهما تكن الآيات والبينات الدالة على طريق الحق .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ جَآءَتۡهُمۡ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ} (97)

71

( ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم )

فلا ينفعهم الإيمان حينئذ لأنه لم يجيء عن اختيار . ولم تعد هنالك فرصة لتحقيق مدلوله في الحياة . ومنذ هنيهة كان أمامنا مشهد يصدق هذا . مشهد فرعون حين أدركه الغرق يقول : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين . . فيقال له : ( آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ? ! ) .

وعند هذا الموقف الذي تظهر فيه حتمية سنن اللّه العامة ، وانتهاؤها إلى نهايتها المرسومة ، متى تعرض الإنسان لها باختياره ، تفتح نافذة مضيئة بآخر شعاع من أشعة الأمل في النجاة . ذلك أن يعود المكذبون عن تكذيبهم قبيل وقوع العذاب :

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡ جَآءَتۡهُمۡ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ} (97)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ حَقّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلّ آيَةٍ حَتّىَ يَرَوُاْ الْعَذَابَ الألِيمَ } .

يقول تعالى ذكره : إن الذين وجبت عليهم يا محمد كلمة ربك ، وهي لعنته إياهم بقوله : ألا لَعْنَةُ اللّهِ على الظّالِمِينَ فثبتت عليهم ، يقال منه : حقّ على فلان كذا يحقّ عليه : إذا ثبت ذلك عليه ووجب .

وقوله : لا يُوءْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمُ كُلّ آيَةٍ لا يصدقون بحجج الله ، ولا يقرّون بوحدانية ربهم ولا بأنك لله رسول ، ولو جاءتهم كل آية وموعظة وعبرة فعاينوها حتى يعاينوا العذاب الأليم ، كما لم يؤمن فرعون وملؤه ، إذا حقّت عليهم كلمة ربك حتى عاينوا العذاب الأليم ، فحينئذ قال : آمَنْتُ أنّهُ لا إلَهَ إلاّ الّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ حين لم ينفعه قيله ، فكذلك هؤلاء الذين حقت عليهم كلمة ربك من قومك ، من عبدة الأوثان وغيرهم ، لا يؤمنون بك فيتبعونك إلا في الحين الذي لا ينفعهم إيمانهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : أنّ الّذِينَ حَقّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبّكَ لا يُوءْمِنُونَ قال : حقّ عليهم سخط الله بما عصوه .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : إنّ الّذِينَ حَقّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبّكَ لا يُوءْمِنُونَ حقّ عليهم سخط الله بما عصوه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَوۡ جَآءَتۡهُمۡ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ} (97)

جاء في هذا تحذير مردود وإعلام بسوء حال هؤلاء المحتوم عليهم ، والمعنى أن الله أوجب لهم سخه في الأزل وخلقهم لعذابه فلا يؤمنون ، ولو جاءهم كل بيان وكل وضوح إلا في الوقت الذي لا ينفعهم فيه إيمان ، كما صنع فرعون وأشباهه من الخلق وذلك وقت المعاينة ، وفي ضمن الألفاظ التحذير من هذه الحال وبعث الكل على المبادرة إلى الإيمان والفرار من سخط الله ، وقرأ أبو عمرو وعاصم والحسن وأبو رجاء «كلمة » بالإفراد ، وقرأ نافع وأهل المدينة «كلمات » بالجمع ، وقد تقدم ذكر هذه الترجمة .