التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{فَقَرَّبَهُۥٓ إِلَيۡهِمۡ قَالَ أَلَا تَأۡكُلُونَ} (27)

معنى { قربه } وضعه قريباً منهم ، أي لم ينقلهم من مجلسهم إلى موضع آخر بل جعل الطعام بين أيديهم .

وهذا من تمام الإكرام للضيف بخلاف ما يُطعمه العافي والسائِل فإنه يدعى إلى مكان الطعام كما قال الفرزدق :

فقلتُ إلى الطعام فقال مِنهم *** فريقٌ يحسد الأنس الطعاما

ومجيء الفاء لعطف أفعال { فراغ } { فجاء } { فقرّبه } للدلالة على أن هذه الأفعال وقعت في سرعة ، والإسراع بالقِرى من تمام الكرم ، وقد قيل : خير البر عاجله .

وجملة { قال ألا تأكلون } بدل اشتمال من جملة { قربه إليهم } .

و { ألا } كلمة واحدة ، وهي حرف عَرْض ، أي رغبةٍ في حصول الفعل الذي تدخل عليه . وهي هنا متعينة للعَرض لوقوع فعل القول بدلاً من فعل { قرَّبه إليهم } ، ولا يحسن جعلها كلمتين من همزة استفهام للإنكار مع ( لا ) النافية .

والعرض على الضيف عقب وضع الطعام بين يديه زيادة في الإكرام بإظهار الحرص على ما ينفع الضيف وإن كان وضع الطعام بين يديه كافياً في تمكينه منه . وقد اعتبر ذلك إذناً عند الفقهاء في الدعوة إلى الولائم بخلاف مجرد وجود مائدة طعام أو سُفرة ، إذ يجوز أن تكون قد أعدت لغير المدعوّ .