قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ . لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } أي : أخبرهم يا محمد أن الأولين والآخرين من بني آدم سيجمعون إلى عَرَصات القيامة ، لا نغادر منهم أحدًا ، كما قال : { ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ . وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأجَلٍ مَعْدُودٍ . يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } [ هود : 103 - 105 ] . ولهذا قال هاهنا : { لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } أي : هو موقت بوقت مُحَدَّد ، لا يتقدم ولا يتأخر ، ولا يزيد ولا ينقص .
يقول تعالى ذكره : وكانوا يقولون كفرا منهم بالبعث ، وإنكارا لإحياء الله خلقه من بعد مماتهم : أئذا كنا ترابا في قبورنا من بعد مماتنا ، وعظاما نخرة ، أئنا لمبعوثون منها أحياء كما كنا قبل الممات ، أو آباؤنا الأوّلون الذين كانوا قبلنا ، وهم الأوّلون ، يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء إن الأوّلين من آبائكم والاَخرين منكم ومن غيركم ، لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ، وذلك يوم القيامة .
ومعنى { مجموعون } : أنهم يبعثون ويحشرون جميعاً ، وليس البعث على أفواج في أزمان مختلفة كما كان موت الناس بل يبعث الأولون والآخرون في يوم واحد . وهذا إبطال لما اقتضاه عطف { أو آباؤنا الأولون } في كلامهم من استنتاج استبعاد البعث لأنهم عدُّوا سَبْقَ من سبق موتُهم أدل على تعذر بعثهم بعد أن مضت عليهم القرون ولم يبعث فريق منهم إلى يوم هذا القيل ، فالمعنى : أنكم .
وتأكيد الخبر ب ( إن ) واللام لرد إنكارهم مضمونَه .
والميقات : هنا لمعنى الوقت والأجل ، وأصله اسم آلة للوقت وتوسعوا فيه فأطلقوه على الوقت نفسه بحيث تعتبر الميم والألف غير دَالّتين على معنًى ، وتوسعوا فيه توسعاً آخر فأطلقوه على مكان لعمللٍ مّا . ولعل ذلك متفرع على اعتبار ما في التوقيت من التحديد والضبط ، ومنه مواقيت الحج ، وهي أماكن يُحرم الحاج بالحج عندها لا يتجاوزها حلالاً . ومنه قول ابن عباس : « لم يوقت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الخمر حَدًّا معيَّناً » .
ويصح حمله في هذه الآية على معنى المكان .
وقد ضمن { مَجْمُوعون } معنى مسوقون ، فتعلق به مجرورهُ بحرف { إلى } للانتهاء ، وإلا فإن ظاهر { مجموعون } أن يعدّى بحرف ( في ) .
وأفاد تعليق مجروره به بواسطة ( إلى ) أنه مسير إليه حتى ينتهي إليه ، فدل على مكان . وهذا من الإِيجاز .
وإضافة { ميقات } إلى { يوم معلوم } لأن التجمع واقع في ذلك اليوم . وإذ كان التجمع الواقع في اليوم واقعاً في ذلك الميقات كانت بين الميقات واليوم ملابسة صححت إضافة الميقات إليه لأدنى ملابسة وهذا أدقّ من جعل الإِضافة بيانية . وهذا تعريض بالوعيد بما يلقونه في ذلك اليوم الذي جحدوه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{لمجموعون إلى ميقات} يعني إلى وقت {يوم معلوم} في الآخرة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 48]
يقول تعالى ذكره: وكانوا يقولون كفرا منهم بالبعث، وإنكارا لإحياء الله خلقه من بعد مماتهم: أئذا كنا ترابا في قبورنا من بعد مماتنا، وعظاما نخرة، أئنا لمبعوثون منها أحياء كما كنا قبل الممات، أو آباؤنا الأوّلون الذين كانوا قبلنا، وهم الأوّلون، يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء إن الأوّلين من آبائكم والآخرين منكم ومن غيركم، لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم، وذلك يوم القيامة.
قوله تعالى: {لمجموعون} فوق قول القائل: مجموعون كما قلنا: إن قول القائل: إنه يموت في إفادة التوكيد دون قوله: إنه ميت.
قوله تعالى: {إلى ميقات يوم معلوم} فإنه يدل على أن الله تعالى يجمعهم في يوم واحد معلوم، واجتماع عدد من الأموات لا يعلم عددهم إلا الله تعالى في وقت واحد أعجب من نفس البعث وهذا كقوله تعالى في سورة والصافات: {فإنما هي زجرة واحدة} أي أنتم تستبعدون نفس البعث، والأعجب من هذا أنه يبعثهم بزجرة واحدة أي صيحة واحدة: {فإذا هم ينظرون} أي يبعثون مع زيادة أمر، وهو فتح أعينهم ونظرهم، بخلاف من نعس فإنه إذا انتبه يبقى ساعة ثم ينظر في الأشياء، فأمر الإحياء عند الله تعالى أهون من تنبيه نائم.
حرف {إلى} أدل على البعث من اللام، ولنذكر هذا في جواب سؤال هو أن الله تعالى قال: {يوم يجمعكم ليوم الجمع} وقال هنا: {لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم} ولم يقل: لميقاتنا وقال: {ولما جاء موسى لميقاتنا} نقول: لما كان ذكر الجمع جوابا للمنكرين المستبعدين ذكر كلمة {إلى} الدالة على التحرك والانتقال لتكون أدل على فعل غير البعث ولا يجمع هناك قال: {يوم يجمعكم ليوم} ولا يفهم النشور من نفس الحرف وإن كان يفهم من الكلام، ولهذا قال هاهنا: {لمجموعون} بلفظ التأكيد، وقال هناك: {يجمعكم} وقال هاهنا: {إلى ميقات} وهو مصير الوقت إليه، وأما قوله تعالى: {فلما جاء موسى لميقاتنا} فنقول: الموضع هناك لم يكن مطلوب موسى عليه السلام، وإنما كان مطلوبه الحضور، لأن من وقت له وقت وعين له موضع كانت حركته في الحقيقة لأمر بالتبع إلى أمر، وأما هناك فالأمر الأعظم الوقوف في موضعه لا زمانه فقال بكلمة دلالتها على الموضع والمكان أظهر.
تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :
{مَّعْلُومٍ} عند الله معين لا يعلمه على التعيين إِلا الله تعالى أو معلوم في كتب الله والعلماء والمؤمنين بلا تعيين.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
...والميقات: هنا لمعنى الوقت والأجل... وتأكيد الخبر ب (إن) واللام لرد إنكارهم...وإضافة {ميقات} إلى {يوم معلوم} لأن التجمع واقع في ذلك اليوم. وإذ كان التجمع الواقع في اليوم واقعاً في ذلك الميقات كانت بين الميقات واليوم ملابسة صححت إضافة الميقات إليه لأدنى ملابسة...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.