يقول تعالى مخبرا عن ثمود في جوابهم لنبيهم صالح ، عليه السلام ، حين دعاهم إلى عبادة ربهم { قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ } . قال مجاهد ، وقتادة : يعنون من المسحورين .
وروى{[21832]} أبو صالح ، عن ابن عباس : { مِنَ الْمُسَحَّرِينَ } {[21833]} : يعني من المخلوقين ، واستشهد بعضهم على هذا القول بما قال الشاعر{[21834]} :
فإن تسألينا : فيم نحن ؟ فإننا *** عصافير من هذا الأنام المسحر
يعني الذين لهم سُحور ، والسَّحر : هو الرئة .
والأظهر في هذا قول مجاهد وقتادة : أنهم يقولون : إنما أنت في قولك هذا مسحور لا عقل لك .
وقوله : إنّمَا أنْتَ منَ المُسَحّرِينَ اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه إنما أنت من المسحورين . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد إنّمَا أنْتَ مِنَ المُسَحّرِينَ قال : من المسحورين .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله إنّمَا أنْتَ مِنَ المُسَحّرِينَ قال : إنما أنت من المسحورين .
وقال آخرون : معناه : من المخلوقين . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبيد ، قال : حدثنا موسى بن عمرو ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، في قوله إنّمَا أنْتَ مِنَ المُسَحّرِينَ قال : من المخلوقين .
واختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك ، فكان بعض أهل البصرة يقول : كلّ من أكل من إنس أو دابة فهو مسحّر ، وذلك لأن له سَحْرا يَقْرِي ما أكل فيه ، واستشهد على ذلك بقول لَبيد :
فإنْ تَسْأَلَينا فِيمَ نَحْنُ فإنّنا *** عَصَافِيرُ مِنْ هَذَا الأنامِ المُسَحّرِ
وقال بعض نحويّي الكوفيين نحو هذا ، غير أنه قال : أخذ من قولك : انتفخ سَحْرُك : أي أنك تأكل الطعام والشراب ، فتُسَحّر به وتُعَلّل . وقال : معنى قول لبيد : «من هذا الأنام المسحرّ » : من هذا الأنام المعّلل المخدوع . قال : ويُروى أن السّحْر من ذلك ، لأنه كالخديعة .
والصواب من القول في ذلك عندي : القول الذي ذكرته عن ابن عباس ، أن معناه : إنما أنت من المخلوقين الذين يُعْلّلون بالطعام والشراب مثلنا ، وليست ربا ولا ملكا فنطيعَك ، ونعلم أنك صادق فيما تقول . والمسحّر : المفعل من السحرة ، وهو الذي له سحرة .
وقولهم { من المسحرين } فيه تأويلان : أحدهما مأخوذ من السَّحر بكسر السين أي قد سحرت فأنت لذلك مخبول لا تنطق بقويم ، والثاني أنه مأخوذ من السِّحر بفتح السين وهي الرئة وبسببها يقال انفتح سحره . وقيل السحر قصبة الرئة بما يتعلق بها من كبد وغيره ، أي أنت ابن آدم لا يصح أن تكون رسولاً عن الله ، وما بعده في الآية يقوي هذا التأويل{[8961]} ومن اللفظة قول لبيد : [ الطويل ]
فإن تسألينا فيم نحن فإننا . . . عصافير من هذا الأنام المسحر{[8962]}
ويقال للاغتداء التسحير ومنه قول امرىء القيس :
«ونسحر بالطعام وبالشراب »{[8963]} . . .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"إنّمَا أنْتَ منَ المُسَحّرِينَ" اختلف أهل التأويل في تأويله؛ فقال بعضهم: معناه إنما أنت من المسحورين...
وقال آخرون: معناه: من المخلوقين... واختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك، فكان بعض أهل البصرة يقول: كلّ من أكل من إنس أو دابة فهو مسحّر، وذلك لأن له سَحْرا يَقْرِي ما أكل فيه...
وقال بعض نحويّي الكوفيين نحو هذا، غير أنه قال: أخذ من قولك: انتفخ سَحْرُك: أي أنك تأكل الطعام والشراب، فتُسَحّر به وتُعَلّل...قال: ويُروى أن السّحْر من ذلك، لأنه كالخديعة.
والصواب من القول في ذلك عندي:... أن معناه: إنما أنت من المخلوقين الذين يُعلّلون بالطعام والشراب مثلنا، وليست ربا ولا ملكا فنطيعَك، ونعلم أنك صادق فيما تقول. والمسحّر: المفعل من السحرة، وهو الذي له سحرة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
اختلف فيه: قال بعضهم: يقولون: إنما أنت سوقة مثلنا، لست بأفضلنا، وإنما نتبع نحن الملوك وذوي الثروة من المال، وأنت لست بملك ولا لك ثروة...وقال بعضهم: يقولون: أنت بشر مثلنا في المنزلة، لا تفضلنا بشيء، لست بملك ولا رسول {فأت بآية إن كنت من الصادقين} بأنك رسول فنتبعك كما أطعنا أولئك...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
والمسحر: هو الذي قد سحر مرة بعد مرة، حتى يختل عقله ويضطرب رأيه. والسحر: حيلة توهم قلب الحقيقة..
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقولهم {من المسحرين} فيه تأويلان: أحدهما مأخوذ من السَّحر بكسر السين أي قد سحرت فأنت لذلك مخبول لا تنطق بقويم، والثاني أنه مأخوذ من السِّحر بفتح السين وهي الرئة وبسببها يقال انفتح سحره. وقيل السحر قصبة الرئة بما يتعلق بها من كبد وغيره، أي أنت ابن آدم لا يصح أن تكون رسولاً عن الله، وما بعده في الآية يقوي هذا التأويل...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما دعا إلى الله تعالى بما لا خلل فيه، فعلموا أنهم عاجزون عن الطعن في شيء منه، عدلوا إلى التخييل على عقول الضعفاء بأن {قالوا إنما أنت من المسحرين} أي الذين بولغ في سحرهم مرة بعد مرة مع كونهم آدميين ذوي سحور، وهي الرئات، فأثر فيك السحر حتى غلب عليك..
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{قَالُواْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} الذين خضعوا لألاعيب السحرة في عقولهم وأفكارهم، فلا تستطيع أن تفكر بعقل متوازن، أو تتكلم بكلام موزونٍ معقول، وهذا ما جعلك تدَّعي النبوّة والرسالة من الله سبحانه مما لا يقبله عقل ولا منطق.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
كلمة (المسحّر) مشتقّة من (السحر) ومعناها المسحور، أي المصاب بالسحر، إذ كانوا يعتقدون أن السحرة كانوا عن طريق السحر يعطلون عمل العقل، وهذا القول لم يتّهم به النبيّ صالحاً فحسب، بل اتهم به كثير من الأنبياء، حتى أن المشركين اتّهموا نبيَّنا محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) به فقالوا: (إن تتبعون إلاّ رجلا مسحوراً). أجَلْ، إنّهم كانوا يرون معيار العقل أن يكون الإنسان متوافقاً مع البيئة والمحيط، فيأكل الخبز مثلا بسعر يومه، ويطبّق نفسه على جميع المفاسد... فلو أن رجلا مصلحاً إلهيّاً دعا الناس للقيام والنهوض بوجه العقائد الفاسدة وإصلاحها، عَدُّوهُ بحسب منطقهم مجنوناً «مسحّراً».