جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلۡمُسَحَّرِينَ} (153)

وقوله : إنّمَا أنْتَ منَ المُسَحّرِينَ اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه إنما أنت من المسحورين . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد إنّمَا أنْتَ مِنَ المُسَحّرِينَ قال : من المسحورين .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله إنّمَا أنْتَ مِنَ المُسَحّرِينَ قال : إنما أنت من المسحورين .

وقال آخرون : معناه : من المخلوقين . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبيد ، قال : حدثنا موسى بن عمرو ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، في قوله إنّمَا أنْتَ مِنَ المُسَحّرِينَ قال : من المخلوقين .

واختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك ، فكان بعض أهل البصرة يقول : كلّ من أكل من إنس أو دابة فهو مسحّر ، وذلك لأن له سَحْرا يَقْرِي ما أكل فيه ، واستشهد على ذلك بقول لَبيد :

فإنْ تَسْأَلَينا فِيمَ نَحْنُ فإنّنا *** عَصَافِيرُ مِنْ هَذَا الأنامِ المُسَحّرِ

وقال بعض نحويّي الكوفيين نحو هذا ، غير أنه قال : أخذ من قولك : انتفخ سَحْرُك : أي أنك تأكل الطعام والشراب ، فتُسَحّر به وتُعَلّل . وقال : معنى قول لبيد : «من هذا الأنام المسحرّ » : من هذا الأنام المعّلل المخدوع . قال : ويُروى أن السّحْر من ذلك ، لأنه كالخديعة .

والصواب من القول في ذلك عندي : القول الذي ذكرته عن ابن عباس ، أن معناه : إنما أنت من المخلوقين الذين يُعْلّلون بالطعام والشراب مثلنا ، وليست ربا ولا ملكا فنطيعَك ، ونعلم أنك صادق فيما تقول . والمسحّر : المفعل من السحرة ، وهو الذي له سحرة .