{ كِرَامٍ } أي : كثيري الخير والبركة ، { بَرَرَةٍ } قلوبهم وأعمالهم .
وذلك كله حفظ من الله لكتابه ، أن جعل السفراء فيه إلى الرسل الملائكة الكرام الأقوياء الأتقياء ، ولم يجعل للشياطين عليه سبيلا ، وهذا مما يوجب الإيمان به وتلقيه بالقبول ، ولكن مع هذا أبى الإنسان إلا كفورا ، ولهذا قال تعالى : { قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ }
ثم ترتفع نبرة العتاب حتى لتبلغ حد الردع والزجر : ( كلا ! ) . . لا يكن ذلك أبدا . . وهو خطاب يسترعي النظر في هذا المقام .
ثم يبين حقيقة هذه الدعوة وكرامتها وعظمتها ورفعتها ، واستغناءها عن كل أحد . وعن كل سند وعنايتها فقط بمن يريدها لذاتها ، كائنا ما كان وضعه ووزنه في موازين الدنيا : ( إنها تذكرة . فمن شاء ذكره . في صحف مكرمة . مرفوعة مطهرة . بأيدي سفرة . كرام بررة . ) . . فهي كريمة في كل اعتبار . كريمة في صحفها ، المرفوعة المطهرة الموكل بها السفراء من الملأ الأعلى ينقلونها إلى المختارين في الأرض ليبلغوها . وهم كذلك كرام بررة . . فهي كريمة طاهرة في كل ما يتعلق بها ، وما يمسها من قريب أو من بعيد . وهي عزيزة لا يتصدى بها للمعرضين الذين يظهرون الاستغناء عنها ؛ فهي فقط لمن يعرف كرامتها ويطلب التطهر بها . .
وقوله : ( كِرَامٍ بَرَرَةٍ ) أي : خُلقهم كريم حَسَنٌ شريف ، وأخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة كاملة . ومن هاهنا ينبغي لحامل القرآن أن يكون في أفعاله وأقواله على السداد والرشاد .
قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن زُرَارة بن أوفى ، عن سعد بن هشام ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرؤه وهو عليه شاق له أجران " . أخرجه الجماعة من طريق قتادة ، به{[29698]} .
وقوله : كِرَامٍ بَرَرَةٍ والبَرَرة : جمع بارّ ، كما الكَفَرة جمع كافر ، والسّحَرة جمع ساحر ، غير أن المعروف من كلام العرب إذا نطقوا بواحدة أن يقولوا : رجل بَرّ ، وامرأة برّة ، وإذا جمعوا ردّوه إلى جمع فاعل ، كما قالوا : رجل سَرِيّ ، ثم قالوا في جمعه : قوم سَراة ، وكان القياس في واحده أن يكون ساريا . وقد حُكي سماعا من بعض العرب : قوم خِيَرَة بَرَرَة ، وواحد الخَيرة : خَيْر ، والبَرَرَة : برّ .
ووصف { كرام } مما وصف به الملائكة في آيات أخرى كقوله تعالى { كراماً كاتبين } [ الانفطار : 11 ] .
ووصف البرَرة ورد صفةً للملائكة في الحديث الصحيح قوله : " الذي يقرأ القرآن وهو ماهِر به مع السَفرة الكرام البرَرَة " .
والبررة : جمع بَرّ ، وهو الموصوف بكثرة البرور . وأصل بَرّ مصدر بَرَّ يبَرّ من باب فَرح ، ومصدره كالفَرح ، فهذا من باب الوصف بالمصدر مثل عَدل وقد اختص البررة بجمع بَرّ ولا يكون جمع بارّ .
والغالب في اصطلاح القرآن أن البررة الملائكةُ والأبرارَ الآدميون . قال الراغب : « لأن بررة أبلغ من أبرار إذ هو جمع بَرّ ، وأبرار جمع بَار ، وبَرّ أبلغ من بار كما أن عَدلا أبلغ من عادل » .
وهذا تنويه بشأن القرآن لأن التنويه بالآيات الواردة في أول هذه السورة من حيث إنها بعض القرآن فأثني على القرآن بفضيلة أثَره في التذكير والإِرشاد ، وبرفعة مكانته ، وقدس مصدره ، وكرم قراره ، وطهارته ، وفضائل حَمَلَتِه ومبلغيه ، فإن تلك المدائح عائدة إلى القرآن بطريق الكناية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.