وبعد هذا التوبيخ لأولئك المشركين الذين عموا وصموا عن الحق ، ولم ينتبهوا لآيات الله - تعالى - الدالة على قدرته ووحدانيته . . أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يداوم على التذكير بدعوة الحق ، فقال : { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ . لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } .
والفاء فى قوله { فذكر } للتفريع ، وترتيب ما بعدها على ما قبلها . والأمر مستعمل فى طلب الاستمرار والدوام فى دعوته الناس إلى الحق ، ومفعول : " فذكر " محذوف العلم به .
وجملة " إنما أنت مذكر " تعليل للأمر بالمواظبة على تبليغ الناس ما أمره بتبليغه .
والمصيطر : هو المتسلط ، المتجبر ، الذى يجبر الناس على الانقياد لما يأمرهم به .
وقد قرأ الجمهور هذا اللفظ بالصاد ، وقرأ ابن عامر بالسين .
أى : إذا كان الأمر كما بينا لك - أيها الرسول الكريم - من أحوال الناس يوم الغاشية ، ومن أننا نحن الذين أوجدنا هذا الكون بقدرتنا . . فداوم - أيها الرسولب الكريم - على دعوة الناس إلى الدين الحق ، فهذه وظيفتك التى لا وظيفة لك سواها ، وكِلْ أمرهم بعد ذلك إلينا ، فأنت لست بمجبر لهم أو مكره إياهم على اتباعك ، وإنما أنت عليك البلاغ ونحن علينا الحساب .
والآن بعد الجولة الأولى في عالم الآخرة ، والجولة الثانية في مشاهد الكون المعروضة ، يلتفت إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يوجهه إلى حدود واجبه وطبيعة وظيفته ، ويلمس قلوبهم اللمسة الأخيرة الموقظة :
فذكر إنما أنت مذكر . لست عليهم بمسيطر . إلا من تولى وكفر . فيعذبه الله العذاب الأكبر . إن إلينا إيابهم . ثم إن علينا حسابهم . .
فذكر بها وذاك . ذكرهم بالآخرة وما فيها . وذكرهم بالكون وما فيه . إنما أنت مذكر . هذه وظيفتك على وجه التحديد . وهذا دورك في هذه الدعوة ، ليس لك ولا عليك شيء وراءه . عليك أن تذكر . فإنك ميسر لهذا ومكلف إياه .
وقوله : { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ . لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } أي : فذكر - يا محمد - الناس بما أرسلت به إليهم ، فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ؛ ولهذا قال : { لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما : لست عليهم بجبار .
وقال ابن زيد : لست بالذي تكرههم على الإيمان .
قال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، عن سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله عز وجل " . ثم قرأ : { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ }
وهكذا رواه مسلم في كتاب " الإيمان " ، والترمذي والنسائي في كتابي{[30006]} التفسير " من سننيهما ، من حديث سفيان بن سعيد الثوري ، به بهذه الزيادة{[30007]} وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من رواية أبي هريرة ، بدون ذكر هذه الآية{[30008]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَذَكّرْ إِنّمَآ أَنتَ مُذَكّرٌ * لّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ * إِلاّ مَن تَوَلّىَ وَكَفَرَ * فَيْعَذّبُهُ اللّهُ الْعَذَابَ الأكْبَرَ * إِنّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ * ثُمّ إِنّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فَذَكّرْ يا محمد عبادي بآياتي ، وعظهم بحججي ، وبلّغهم رسالتي إنّمَا أنْتَ مُذَكّرٌ يقول : إنما أرسلتك إليهم مذكرا ، لتذكرهم نعمتي عندهم ، وتعرّفهم اللازم لهم ، وتعظهم .
الفاء فصيحةُ تفريع على محصَّل ما سبق من أول السورة الذي هو التذكير بالغاشية وما اتصل به من ذكر إعراضهم وإنذارهم ، رتب على ذلك أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالدوام على تذكيرهم وأنه لا يؤيسه إصرارهم على الإعراض وعدم ادكارهم بما ألقى إليهم من المواعظ ، وتثبيته بأنه لا تبعة عليه من عدم إصغائهم إذ لم يُبعث مُلجئاً لهم على الإِيمان .
فالأمر مستعمل في طلب الاستمرارِ والدوام .
ومفعول « ذَكِّرْ » محذوف هو ضمير يدل عليه قوله بعده { لست عليهم بمصيطر } .
وجملة { إنما أنت مذكر } تعليل للأمر بالدوام على التذكير مع عدم إصغائهم لأن { إنما } مركبة من ( أنَّ ) و ( ما ) وشأنُ ( إنَّ ) إذا وردت بعد جملة أن تفيد التعليل وتغني غَناء فاء التسبب ، واتصال ( ما ) الكافة بها لا يخرجها عن مهيعها .
والقصر المستفاد ب { إنما } قصر إضافي ، أي أنت مذكر لست وكيلاً على تحصيل تذكرهم فلا تتحرج من عدم تذكرهم فأنت غير مقصر في تذكيرهم وهذا تطمين لنفسه الزكية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.