ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر فضله على الناس ، فقال : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } .
أى : وإن ربك - أيها الرسول الكريم - لذو فضل عظيم ، وإنعام كبير على الناس . ومن مظاهر ذلك : أنه لم يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وعصيانهم ، ولكن أكثر هؤلاء الناس لا يشكرونه - سبحانه - على فضله وإنعامه .
والتعبير " بأكثر " للإشعار بأن هناك قلة مؤمنة من الناس ، ملازمة لشكر الله - تعالى - فى السراء والضراء ، والعسر واليسر .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِنّ رَبّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ وَلََكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ * وَإِنّ رَبّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } . يقول تعالى ذكره : وَإنّ رَبكَ يا محمد لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ بتركه معاجلتهم بالعقوبة على معصيتهم إياه ، وكفرهم به ، وذو إحسان إليهم في ذلك وفي غيره من نعمه عندهم وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَهُ على ذلك من إحسانه وفضله عليهم ، فيخلصوا له العبادة ، ولكنهم يشركون معه في العبادة ما يضرّهم ولا ينفعهم ومن لا فضل له عندهم ولا إحسان .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وإن ربك لذو فضل على الناس} يعني: على كفار مكة حين لا يعجل عليهم العذاب حين أرادوه {ولكن أكثرهم} يعني: أكثر أهل مكة {لا يشكرون} الرب عز وجل في تأخير العذاب عنهم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"وَإنّ رَبكَ" يا محمد "لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ "بتركه معاجلتهم بالعقوبة على معصيتهم إياه، وكفرهم به، وذو إحسان إليهم في ذلك وفي غيره من نعمه عندهم.
"وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ" لاَ يَشْكُرُونَهُ على ذلك من إحسانه وفضله عليهم، فيخلصوا له العبادة، ولكنهم يشركون معه في العبادة ما يضرّهم ولا ينفعهم ومن لا فضل له عندهم ولا إحسان.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يحتمل قوله: {لذو فضل على الناس} وجوها: أحدهما: {لذو فضل} في تأخير العذاب عنهم {ولكن أكثرهم لا يشكرون} ذلك الفضل، ولكن يستعجلون. والثاني: {لذو فضل على الناس} في دينهم في بعثه وإرساله إليهم من يزجرهم، ويصرفهم عما يستوجبون من عذاب الله ومقته، وهو الرسول. لكنهم لا يعترفون بهذا الفضل ولا يشكرونه، بل يعاندونه ويكابرونه. والثالث: {لذو فضل على الناس} في ما أنعم عليهم في أموالهم وأنفسهم، لكنهم لا يشكرون في ذلك، بل يصرفون شكره على غير المنعم والله أعلم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان التقدير قطعاً: فإن ربك لا يعجل على أهل المعاصي بالانتقام مع القطع بتمام قدرته، عطف عليه قوله: {وإن ربك} أي المحسن إليك بالحلم عن أمتك وترك المعاجلة لهم بالعذاب على المعاصي {لذو فضل} أي تفضل وإنعام {على الناس} أي كافة {ولكن أكثرهم لا يشكرون} أي لا يوقعون الشكر له بما أنعم عليهم، ويزيدون في الجهل بالاستعجال.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
موقع هذا موقع الاستدراك على قوله {عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون} [النمل: 72] أي أن تأخير العذاب عنهم هو من فضل الله عليهم. وهذا خبر خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم تنبيهاً على أن تأخير الوعيد أثر من آثار رحمة الله لأن أزمنة التأخير أزمنة إمهال فهم فيها بنعمة، لأن الله ذو فضل على الناس كلهم...
و {لكن} استدراك ناشئ عن عموم الفضل منه تعالى فإن عمومه وتكرره يستحق بأن يعلمه الناس فيشكروه ولكن أكثر الناس لا يشكرون كهؤلاء الذين قالوا {متى هذا الوعد} [النمل: 71] فإنهم يستعجلون العذاب تهكماً وتعجيزاً في زعمهم غير قادرين قدر نعمة الإمهال.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
وإمعانا في تسلية الرسول الأعظم وتهدئة روعه من كيد الكائدين ومكر الماكرين ذكره كتاب الله بأن جحود الكثرة الساحقة من الناس لنعم الله المتواصلة، وإعراضهم عنها، وعدم قيامهم بحق شكرها، لن يحول دون استمرار مدده، إذ هو الرحمان الرحيم، والغني الكريم، فما على رسوله الأمين إلا ان يواصل أداء رسالته إلى الناس كافة، شكروا أم كفروا، أخلصوا أم مكروا، {وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون}
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} في وجودهم بعد أن كانوا عدماً، وفي حركة هذا الوجود في ألوان النعم التي لا تعد ولا تحصى في آفاق الكون وفي مفردات الحياة، ما يفرض عليهم الشكر بالكلمة والعمل، في ما يعبر به الناس عن خضوعهم وعبادتهم واعترافهم بالجميل، والامتنان لمواقع النعم في حياتهم، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} لأن القليلين هم الذين ينطلقون من وعي الألوهية في موقع وجود الإنسان في امتداد النعم في دائرة الرحمة الواسعة الشاملة للحياة كلها، وللإنسان كله، لأنهم هم الذين يفكرون ويتأملون ويثيرون الحوار في كل مفردات العقيدة، ليصلوا من خلال ذلك إلى القناعة الوجدانية اليقينية. أمّا الأكثرية، فإنها تتحرك غالباً من عمق الانفعال، وسذاجة العاطفة، وحركة الغريزة والمصلحة، ولذلك كانت الغفلة هي الطابع الذي يطبع حياتهم، ويتمثل في مسيرتهم، فيتعاملون مع النعم الكثيرة تعاملهم مع الأشياء المألوفة التي لا تثير فيهم أيّ انتباه، بل يتابعون حياتهم معهم كأنهم لم يروا شيئاً جديداً في ما يمكن أن يناقشوه أو يفكروا فيه.