ثم أكدت السورة الجزاء الحسن الذى أعده الله - تعالى - للمؤمنين ، وذكرت جانبا من مظاهر قدرته - سبحانه - ، ورحمته بعباده ، فقال - تعالى - : { إِنَّ الذين آمَنُواْ . . . فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } .
أى : إن الذين آمنوا بالله - تعالى - إيمانا حقا ، وعملوا الأعمال الصالحات { لَهُمْ } فى مقابلة ذلك { جَنَّاتُ النعيم } أى : لهم جنات عالية يتنعمون فيها بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .
هذا ذكر مآل الأبرار من السعداء في الدار الآخرة ، الذين آمنوا بالله وصَدّقوا المرسلين ، وعملوا الأعمال الصالحة المتابعة {[22929]} لشريعة الله { لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ } أي : يتنعمون فيها بأنواع الملاذ والمسارّ ، من المآكل والمشارب ، والملابس والمساكن ، والمراكب والنساء ، والنضرة والسماع الذي لم يخطر ببال أحد .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"إنّ الّذِينَ آمَنُوا" بالله فوحدوه، وصدّقوا رسوله واتبعوه "وعَمِلُوا الصّالِحَاتِ "يقول: فأطاعوا الله، فعملوا بما أمرهم في كتابه وعلى لسان رسوله، وانتهوا عما نهاهم عنه "لَهُمْ جَنّاتُ النّعِيمِ" يقول: لهؤلاء بساتين النعيم، "خالدين فِيها" يقول: ماكثين فيها إلى غير نهاية.
"وَعْدَ اللّهِ حَقّا" يقول: وعدهم الله وعدا حقا، لا شكّ فيه ولا خلف له.
"وَهُوَ العَزِيزُ" يقول: وهو الشديد في انتقامه من أهل الشرك به، والصادّين عن سبيله، الحَكِيمُ في تدبير خلقه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{آمنوا} بجميع ما أمروا بالإيمان به {وعملوا الصالحات} بما تعبَّدوا من العمل بالطاعات والصالحات.
{لهم جنات النعيم} كل الجنان التي وعد للمؤمنين نعيم، يتنعمون فيها...
لما بين حال من إذا تتلى عليه الآيات ولى، بين حال من يقبل على تلك الآيات ويقبلها وكما أن ذلك له مراتب من التولية والاستكبار، فهذا له مراتب من الإقبال والقبول والعمل به، فإن من سمع شيئا وقبله قد لا يعمل به فلا تكون درجته مثل من يسمع ويطيع، ثم إن هذا له جنات النعيم ولذلك عذاب مهين. وفيه لطائف:
إحداها: توحيد العذاب وجمع الجنات إشارة إلى أن الرحمة واسعة أكثر من الغضب.
الثانية: تنكير العذاب وتعريف الجنة بالإضافة إلى المعرف إشارة إلى أن الرحيم يبين النعمة ويعرفها إيصالا للراحة إلى القلب، ولا يبين النقمة وإنما ينبه عليها تنبيها.
الثالثة: قال عذاب، ولم يصرح بأنهم فيه خالدون، وإنما أشار إلى الخلود بقوله: {مهين}...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كانت معرفة ما لأحد الجزءين باعثة على السؤال عما للحزب الآخر، وكانت إجابة السؤال عن ذلك من أتم الحكمة، استأنف تعالى قوله مؤكداً لأجل إنكار الكفرة: {إن الذين آمنوا} أو اوجدوا الإيمان {وعملوا} أي تصديقاً له {الصالحات} وضعاً للشيء في محله عملاً بالحكمة {لهم جنات النعيم} فأفاد سبحانه بإضافتها إليه أنه لا كدر فيها أصلاً ولا شيء غير النعيم...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
{جنات النعيم} أي النعيم الكثير وإضافة الجنات إليه باعتبار اشتمالها عليه، نظير قولك: كتب الفقه، وفي هذا إشارة إلى أن لهم نعيمها بطريق برهاني، فهو أبلغ من: لهم نعيم الجنات، إذ لا يستدعي ذلك أن تكون نفس الجنات ملكهم فقد يتنعم بالشيء غير مالكه.
{لَهُمْ} هو الخبر لأن و {جنات النعيم} مرتفعاً به على الفاعلية...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
حيثما ذكر الجزاء في القرآن الكريم، ذكر قبله العمل الصالح مع الإيمان. فطبيعة هذه العقيدة تقتضي ألا يظل الإيمان في القلب حقيقة مجردة راكدة معطلة مكنونة؛ إنما هو حقيقة حية فاعلة متحركة، ما تكاد تستقر في القلب ويتم تمامها حتى تتحرك لتحقق ذاتها في العمل والحركة والسلوك؛ ولتترجم عن طبيعتها بالآثار البارزة في عالم الواقع، المنبئة عما هو كائن منها في عالم الضمير. وهؤلاء الذين آمنوا وحققوا إيمانهم بالعمل الصالح (لهم جنات النعيم خالدين فيها).
وهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات في مقابل الذين يشترون لهو الحديث ليضلوا عن سبيل الله، وهذه سمة من سمات الأسلوب القرآني؛ لأن ذكر الشيء مع مقابله يوضح المعنى ويعطيه حسنا، كما في قوله تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم (13) وإن الفجار لفي جحيم (14)} [الانفطار] فالجمع بين المتقابلات يفرح المؤمن بالنعيم، ثم يفرحه بأن يجد أعداءه من الكفار الذين غاظوه واضطهدوه وعذبوه يجدهم في النار.
"وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ": الحق سبحانه خلق الكون على هيئة الصلاح، فالشيء الصالح عليك أن تزيد من صلاحه، فإن لم تقدر فلا أقل من أن تدع الصالح على صلاحه فلا تفسده.
"لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ": فهي جنات لا جنة واحدة، ثم هي جنات النعيم أي: المقيم الذي لا تفوته ولا يفوتك...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إنّ هذه الفئة على عكس المستكبرين والضالّين المضلّين الذين لا يرون آثار قدرة الله في عالم الوجود، ولا يصغون إلى كلام أنبياء الله. إنّ هؤلاء يؤمنون بحكم العقل الواعي، والعين البصيرة، والاُذن السامعة التي منحهم الله إيّاها، يؤمنون بآيات الله ويعملون بها صالحاً، فما أجدر أن يكون لاُولئك العذاب الأليم، ولهؤلاء جنّات النعيم!...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.