فلما دخلوا عليه قال لهم : { إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } .
أى : إنكم قوم غير معروفين لى ، لأنى لم يسبق لى أن رأيتكم ، ولا أدرى من أى الأقوام أنتم ، ولا أعرف الغرض الذي من أجله أتيتم ، وإن نفسى ليساورها الخوف والقلق من وجودكم عندى . . .
ويبدو أن لوطًا - عليه السلام - قد قال لهم هذا الكلام بضيق نفس ، لأنه يعرف شذوذ المجرمين من قومه ، ويخشى أن يعلموا بوجود هؤلاء الضيوف أصحاب الوجوه الجميلة عنده ، فيعتدوا عليهم دون أن يملك الدفاع عنهم . . .
وقد صرح القرآن الكريم بهذا الضيق النفسى ، الذي اعترى لوطا بسبب وجود هؤلاء الضيوف عنده ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سياء بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ } وقال - سبحانه - : { فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ المرسلون } مع أن المجئ كان للوط - عليه السلام - والخطاب كان معه ، تشريفًا وتكريمًا للمؤمنين من قوم لوط ، فكأنهم كانوا حاضرين ومشاهدين لوجود الملائكة بينهم ، ولما دار بينهم وبين لوط - عليه السلام - .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا جَآءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنّكُمْ قَوْمٌ مّنكَرُونَ * قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : فلما أتى رسلُ الله آل لوط ، أنكرهم لوط فلم يعرفهم وقال لهم : إنّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ : أي نُنْكركم لا نعرفكم . فقالت له الرسل : بل نحن رسل الله جئناك بما كان فيه قومك يشكون أنه نازل بهم من عذاب الله على كفرهم به .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : قالَ إنّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ قال : أنكرهم لوط . وقوله : بِمَا كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ قال : بعذاب قوم لوط .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قال} لهم لوط: {إنكم قوم منكرون}، أنكرهم، ولم يعلم أنهم ملائكة؛ لأنهم كانوا في صورة الرجال.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 61]
فلما أتى رسلُ الله آل لوط، أنكرهم لوط فلم يعرفهم وقال لهم:"إنّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ": أي نُنْكركم لا نعرفكم. فقالت له الرسل: بل نحن رسل الله جئناك بما كان فيه قومك يشكون أنه نازل بهم من عذاب الله على كفرهم به.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 61]
{فلما جاء آل لوط المرسلون} {قال إنكم قوم منكرون} أي إنكم منكرون، لا تعرفون بأهل هذه البلدة.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وقال لهم "إنكم قوم منكرون "أي: لا تعرفون مع الاستيحاش منكم، لأنه لم يثبتهم في ابتداء مجيئهم، فلما أخبروه بأنهم رسل الله جاؤوا بعذاب قومه وسؤاله الأمر، عرفهم حينئذ.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{مُنكَرُونَ} أي تنكركم نفسي وتنفر منكم، فأخاف أن تطرقوني بشرّ، بدليل قوله: {بَلْ جئناك بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ}.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{منكرون} أي لا يعرفون في هذا القطر، وفي هذه اللفظة تحذير وهو من نمط ذمه لقومه وجريه إلى أن لا ينزل هؤلاء القوم في تلك المدينة خوفاً منهم أن يظهر سوء فعلهم وطلبهم الفواحش.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{قال إنكم قوم} أي أقوياء {منكرون} لا بد أن يكون عن إتيانكم إلى هذه البلدة شر كبير لأحد من أهل الأرض، وهو معنى {سيء بهم} [العنكبوت:33] الآية، فقدم حكاية إنكاره إياهم وإخبارهم عن العذاب لمثل ما تقدم في قصة إبراهيم عليه السلام من الزجر عن قولهم {لو ما تأتينا بالملائكة} المحتمل لإرادة جميع الملائكة {إن كنت من الصادقين} تعريفاً لهم بأن بعض الملائكة أتوا من كانا أكمل أهل ذلك الزمان على أجمل صور البشر، مبشرين لهما، ومع ذلك خافهم كل منهما، فكيف لو كان منهم جمع كثير؟ أم كيف لو كانوا على صورهم؟ أم كيف لو كان الرائي لهم غيرهما؟ أم كيف لو كان كافراً {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجراً محجوراً} [الفرقان: 22] ويجوز أن يكون قوله لهم هذه المقالة إنما كان عند إخبارهم له بأنهم رسل الله، ويكون المعنى حينئذ أنكم لستم على صفة الآتي بالوحي، فقد اشتد علي أمركم، لكوني لا أعرفكم مع الاستيحاش منكم، وذلك بعد محاورته لقومه ثم مقارعتهم عنهم، فكان خائفاً عليهم، فلما أخبروه أنهم ملائكة خاف منهم أن يكونوا أتوا بشيء يكرهه، وقد تقدم آنفاً أن الإخبار عما كان في حين من الأحيان لا يضر تقديم بعضه على بعض ولا إسقاط بعض وذكر آخر، ولم يزد هنا الحرف الذي أصله المصدر، وهو "أن "كما في العنكبوت، لأن استنكاره لهم وإن كان مرتباً على مجيئهم إلا أنه ليس متصلاً بأوله بخلاف المساءة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(قال: إنكم قوم منكرون).. قالها ضيق النفس بهم، وهو يعرف قومه، ويعرف ماذا سيحاولون بأضيافه هؤلاء، وهو بين قومه غريب، وهم فجرة فاحشون.. إنكم قوم منكرون أن تجيئوا إلى هذه القرية وأهلها مشهورون بما يفعلون مع أمثالكم حين يجيئون...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تولى لوط عليه السلام تلقيهم كما هو شأن كبير المنزل ولكنه وجدهم في شكل غير معروف في القبائل التي كانت تمر بهم فألهم إلى أن لهم قصة غريبة ولذلك قال لهم: {إنكم قوم منكرون}، أي لا تعرف قبيلتكم. وتقدم عند قوله تعالى: {نكرهم} في سورة هود (70)