ثم حكى - سبحانه - ما طلبه إبليس من ربه ، ومارد الله به عليه ، فقال - تعالى - { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين إلى يَوْمِ الوقت المعلوم } .
والفاء في قوله { فأنظرنى } للتفريع وهى متعلقة بمحذوف يدل عليه سياق الكلام .
والإِنظار : التأخير والإِمهال ومنه قوله - تعالى - { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ } أى : قال إبليس لربه . عز وجل : ما دمت قد أخرجتنى من جنتك ومن سمائك ، وجعلتنى مرجوماً ملعوناً إلى يوم الدين ، فأخر موتى إلى يوم يبعث آدم وذريته للحساب وخاطب الله - تعالى - بصفة الربوبية تخضعا وتذللا لكى يجاب طلبه .
عندئذ تتبدى خليفة الحقد وخليقة الشر :
( قال : رب فأنظرني إلى يوم يبعثون . قال : فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ) . .
لقد طلب النظرة إلى يوم البعث ، لا ليندم على خطيئته في حضرة الخالق العظيم ، ولا ليتوب إلى الله ويرجع ويكفر عن إثمه الجسيم . ولكن لينتقم من آدم وذريته جزاء ما لعنه الله وطرده . يربط لعنة الله له بآدم ، ولا يربطها بعصيانه لله في تبجح نكير !
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ رَبّ فَأَنظِرْنِي إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَىَ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ } .
يقول تعالى ذكره : قال إبليس : ربّ فإذ أخرجتني من السموات ولعنتني ، فأخرّني إلى يوم تبعث خلقك من قبورهم فتحشرهم لموقف القيامة . قال الله له : فإنك ممن أُخّر هلاكه إلى يوم الوقت المعلوم لهلاك جميع خلقي ، وذلك حين لا يبقى على الأرض من بني آدم دَيّارٌ .
الضمير في { منها } للجنة ، وإن لم يجر ذكرها في القصة تتضمنها ، ويحتمل أن يعود الضمير على ضيفة الملائكة ، وال { رجيم } المشتوم أي المرجوم بالقول والشتم ، و { يوم الدين } يوم الجزاء ، ومنه قول الشاعر :
ولم يبق سوى العدوا . . . ن دناهم كما دانوا{[7170]}
وسأل إبليس «النظرة إلى يوم البعث » فأعطاه الله إياها إلى «وقت معلوم » ، واختلف فيه فقيل إلى يوم القيامة أي يكون آخر من يموت من الخلق ، قاله الطبري وغيره وقيل إلى وقت غير معين ولا مرسوم بقيامة ولا غيرها ، بل علمه عند الله وحده ، وقيل بل أمره كان إلى يوم بدر وأنه قتل يوم بدر .
قال القاضي أبو محمد : وهذا وإن كان روي فهو ضعيف ، والمنظر المؤخر .
سؤاله النظِرة بعد إعلامه بأنه ملعون إلى يوم الدين فاض به خبث جبلته البالغ نهاية الخباثة التي لا يشفيها إلا دوام الإفساد في هذا العالم ، فكانت هذه الرغبة مجلبة لدوام شقوته .
ولما كانت اللعنة تستمر بعد انعدام الملعون إذا اشتهر بين الناس بسوء لم يكن توقيتها بالأبد مقيداً حياة الملعون ، فلذلك لم يكن لإبليس غنى بقوله تعالى { إلى يوم الدين } عن أن يسأل الإبقاء إلى يوم الدين ليكون مصدر الشرور للنفوس قضاء لما جبل عليه من بثّ الخُبث ؛ فكان بذلك حريصاً على دوامها بما يوجه إليه من اللّعنة ، فسأل النظرة حباً للبقاء لما في البقاء من استمرار عمله .
وخاطب الله بصفة الربوبية تخضّعاً وحثّاً على الإجابة ، والفاء في { فأنظرني } فاء التفريع . فرع السؤال عن الإخراج .
وذُكرت هذه الحالة من أوصاف نفسيته بعثاً لكراهيته في نفوس البشر الذين يرون أن حق النفس الأبية أن تأنف من الحياة الذميمة المحقرة ، وذلك شأن العرب ، فإذا علموا هذا الحوص من حال إبليس أبغضوه واحتقروه فلم يرضوا بكل عمل ينسب إليه .
والإنظار : الإمهال والتأخير . وتقدم في قوله : { فنظرة إلى ميسرة } في سورة البقرة ( 280 ) . والمراد تأخير إماتته لأن الإنظار لا يكرن للذات ، فتعين أنه لبعض أحوالها وهو الموت بقرينة السياق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.