( كذبت قوم نوح المرسلين . إذ قال لهم أخوهم نوح : ألا تتقون ? إني لكم رسول أمين . فاتقوا الله وأطيعون . وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين . فاتقوا الله وأطيعون ) .
هذه هي دعوة نوح التي كذبه فيها قومه - وهو أخوهم - وكان الأليق بالأخوة أن تقود إلى المسالمة والاطمئنان والإيمان والتصديق . ولكن قومه لم يأبهوا لهذه الصلة ، ولم تلن قلوبهم لدعوة أخيهم نوح إذ قال لهم : ( ألا تتقون ? )وتخافون عاقبة ما أنتم فيه ? وتستشعر قلوبكم خوف الله وخشيته ?
وهذا التوجيه إلى التقوى مطرد في هذه السورة . فهكذا قال الله عن فرعون وقومه لموسى وهو يكلفه التوجه إليهم . وهكذا قال نوح لقومه . وهكذا قال كل رسول لقومه من بعد نوح :
{ إذ قال } ظرف ، أي كذبوه حين قال لهم { ألا تتقون } فقالوا : { أنؤمن لك } [ الشعراء : 111 ] . ويظهر أن قوله : { ألا تتقون } صدر بعد أن دعاهم من قبل وكرّر دعوتهم إذ رآهم مُصرِّين على الكفر ويدل لذلك قولهم في مجاوبته { واتَّبَعَك الأرذلون } [ الشعراء : 111 ] .
وخص بالذكر في هذه السورة هذا الموقف من مواقفه لأنه أنسب بغرض السورة في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم بذكر مماثل حاله مع قومه .
والأخ مستعمل في معنى القريب من القبيلة . وقد تقدم في قوله تعالى : { وإلى عاد أخاهم هوداً } في سورة [ الأعراف : 65 ] .
وقوله : { ألا تتقون } يجوز أن يكون لفظ { أَلاَ } مركباً من حرفين همزة استفهام دخلت على ( لاَ ) النافية ، فهو استفهام عن انتفاء تقواهم مستعمل في الإنكار وهو يقتضي امتناعهم من الامتثال لدعوته .
ويجوز أن يكون { أَلاَ } حرفاً واحداً هو حرف التحْضيض مثل قوله تعالى : { ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم } [ التوبة : 13 ] وهو يقتضي تباطؤهم عن تصديقه .
والمراد بالتقوى : خشية الله من عقابه إياهم على أن جعلوا معه شركاء .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إذ قال لهم أخوهم نوح} ليس بأخيهم في الدين، ولكن أخوهم في النسب {ألا تتقون} يعني: ألا تخشون الله عز وجل.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 105]
يقول تعالى ذكره:"كَذّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ" رسل الله الذين أرسلهم إليهم لما "قالَ لَهُمْ أخُوهُمْ نُوحٌ ألاَ تَتّقُونَ "فتحذروا عقابه على كفركم به، وتكذيبكم رسله "إنّي لَكُمْ رَسُولٌ من الله أمِينٌ" على وحيه إليّ، برسالته إياي إليكم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ألا تتقون} نقمة الله وعذابه في مخالفتكم أمره ونهيه، أو يقول: ألا تتقون عبادة غير الله وطاعة من دونه.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
سماه بأنه (أخوهم)... لأنهم به آنس وإلى إجابته أقرب فيما ينبغي أن يكونوا عليه، وهم قد صدفوا عنه... وإنما جاء الإنكار بحرف الاستفهام لأنهم لا جواب لهم عن ذلك إلا بما فيه فضيحتهم...
وأما قوله: {أخوهم} فلأنه كان منهم، من قول العرب يا أخا بني تميم يريدون يا واحدا منهم، ثم إنه سبحانه حكى عن نوح عليه السلام أنه أولا خوفهم، وثانيا أنه وصف نفسه، أما التخويف فهو قوله: {ألا تتقون}.
واعلم أن القوم إنما قبلوا تلك الأديان للتقليد والمقلد إذا خوف خاف، وما لم يحصل الخوف في قلبه لا يشتغل بالاستدلال، فلهذا السبب قدم على جميع كلماته قوله: {ألا تتقون}.
أحدهما: قوله: {إني لكم رسول أمين} وذلك لأنه كان فيهم مشهورا بالأمانة كمحمد صلى الله عليه وسلم في قريش، فكأنه قال: كنت أمينا من قبل، فكيف تتهموني اليوم؟
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولقصد التسلية عبر بالتكذيب في كل قصة {إذ} أي حين {قال لهم} لم يتأنوا بطلب دليل، ولا ابتغاء وجه جميل؛ وأشار إلى نسبه فيهم بقوله: {أخوهم} زيادة في تسلية هذا النبي الكريم {نوح} وأشار إلى حسن أدبه، واستجلابهم برفقه ولينه، بقوله: {ألا تتقون} أي تكون لكم تقوى، وهي خوف يحملكم على أن تجعلوا بينكم وبين سخطه وقاية بطاعته بالتوحيد وترك الالتفات إلى غيره؛
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
وإذ في قوله تعالى {إِذْ قَالَ لَهُمْ} ظرفٌ للتَّكذيبِ على أنَّه عبارةٌ عن زمانٍ مديدٍ وقعَ فيه ما وقعَ من الجانبينِ إلى تمام الأمر كما أنَّ تكذيبَهم عبارةٌ عمَّا صدرَ عنهم من حينِ ابتداءِ دعوتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى انتهائها.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هذه هي دعوة نوح التي كذبه فيها قومه -وهو أخوهم- وكان الأليق بالأخوة أن تقود إلى المسالمة والاطمئنان والإيمان والتصديق. ولكن قومه لم يأبهوا لهذه الصلة، ولم تلن قلوبهم لدعوة أخيهم نوح إذ قال لهم: (ألا تتقون؟) وتخافون عاقبة ما أنتم فيه؟ وتستشعر قلوبكم خوف الله وخشيته؟ وهذا التوجيه إلى التقوى مطرد في هذه السورة. فهكذا قال الله عن فرعون وقومه لموسى وهو يكلفه التوجه إليهم. وهكذا قال نوح لقومه. وهكذا قال كل رسول لقومه من بعد نوح.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{ألا تتقون} يجوز أن يكون لفظ {أَلاَ} مركباً من حرفين همزة استفهام دخلت على (لا) النافية، فهو استفهام عن انتفاء تقواهم مستعمل في الإنكار وهو يقتضي امتناعهم من الامتثال لدعوته. ويجوز أن يكون {أَلاَ} حرفاً واحداً هو حرف التحْضيض مثل قوله تعالى: {ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم} [التوبة: 13] وهو يقتضي تباطؤهم عن تصديقه.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
{أَلَا تَتَّقُونَ} ألا للتحريض والحث علي التقوى، وما أجدر كل منكر جبار، أن يطالب بالتقوى، واتخاذ وقاية لأنه يكون مغرورا، وكل من يتدلى بالغرور، يطالب باتخاذ وقاية ليمتلئ بالتقوى ووراء التقوى الإيمان.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
ذلك أن الحكمة الإلهية اقتضت بادئ ذي بدء أن يكون الرسل إلى عامة البشر بشرا مثلهم، يشاركونهم في المشاعر والأحاسيس، ويعايشونهم أفرادا وجماعات، ويلازمونهم ملازمة الظل للشاخص، وبذلك يحصل التفاهم والتجاوب بينهم وبين الناس، مصداقا لقول تعالى في سورة الأنعام: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون} [الآية: 9]. وللمزيد من الألفة بين الرسل ومن أرسل إليهم اقتضت الحكمة الإلهية أن يتكلم بلسانهم، وأن يكون بالنسبة إلى قومه أخا من إخوانهم، إما أخا لهم عن طريق القرابة والنسب، وإما أخا لهم من باب المجانسة والأدب، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى في آية أخرى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} [إبراهيم: 4].
ومما يستلفت النظر، ويدل على وحدة الرسالات الإلهية، ووحدة الرسل الذين جاؤوا بها أن كتاب الله استعمل أسلوبا واحدا في حكاية ما خاطب به أولئك الرسل أقوامهم، على اختلاف أزمانهم وتعدد مواطنهم، إذ نجده يحكي عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب في هذه السورة أنهم جميعا عبروا عن نفس المعاني والمقاصد، واستعملوا نفس الطريقة في مخاطبة أقوامهم ودعوتهم إلى الإيمان بالرسالة التي جاؤوا بها من عند الله، إذ قال كل منهم مخاطبا لقومه: {ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين}
وهذا الخطاب يوضح أن هدف الرسالات الإلهية الأساسي هو وضع حد لما يقع فيه الناس من الانحراف والاستهتار، وإيقاظ ضمائرهم للخروج من تيه الغفلة واللامبالاة وقفص الجحود والإنكار، حتى يقبلوا على إصلاح ما فسد، ويهتموا بترميم ما تداعى للسقوط، ويحيوا حياة إنسانية نظيفة، منسجمة مع إرادة الله، لا تجلب سخطه وإنما تجلب رضاه، وتتحقق بها في الأرض الخلافة عن الله، وهذا هو معنى "التقوى "الذي يدعو إليه كافة الأنبياء والرسل {ألا تتقون}، إذ التقوى في معناه العام هو جعل النفس في "وقاية" مما يخاف منه ويؤذي، لتفادي جميع الأدواء والأسقام، والعيش في هناء وسعادة وسلام،
يريد أن يحنن قلوبهم عليه بكلمة {أخوهم} التي تعني أنه منهم وقريب الصلة بهم، ليس أجنبيا عنهم، فهم يعرفون أصله ونشأته، ويعلمون صفاته وأخلاقه...فمعنى: {ألا تتقون} أنكر عليكم ألا تكونوا متقين، والمراد: أطلب منكم أن تكونوا متقين.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ} الله في ما أمركم به ونهاكم عنه في شريعته، وتراقبونه، وتخافون مقامه، ليكون في وجدانكم الشعور بالمسؤولية الفكرية في كل معتقداتكم، وبالمسؤولية العملية في عملكم. والتعبير بالأخوّة فيه بعض الإيحاء بالعمق الإنساني الذي يربط النبيّ بقومه، لأن الأخوّة تمثل التواصل الشعوري الذي يحتضن آلام الأخوة وآمالهم، ويتعهد حياتهم باللطف والخير والصلة.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
والتعبير بكلمة «أخ» تعبير يبيّن منتهى المحبّة والعلاقة الحميمة على أساس المساواة... أي أن نوحاً دون أن يطلب التفوق والاستعلاء عليهم، كان يدعوهم إلى تقوى الله في منتهى الصفاء. والتعبير بالأُخوة لم يَردْ في شأن نوح في القرآن فحسب، بل جاء في شأن كثير من الأنبياء، كهود وصالح ولوط، وهو يلهم جميع القادة والأدلاء على طريق الحق أن يراعوا في دعواتهم منتهى المحبة المقرونة بالاجتناب عن طلب التفوق لجذب النفوس نحو مذهب الحق، ولا يستثقله الناس!.