وبهذا القلب السليم ، استنكر ما عليه قومه واستبشعه . استنكار الحس السليم لكل ما تنبو عنه الفطرة الصادقة من تصور ومن سلوك :
( إذ قال لأبيه وقومه : ماذا تعبدون ? أإفكاً آلهة دون الله تريدون ? فما ظنكم برب العالمين ? ) . . وهو يراهم يعبدون أصناماً وأوثاناً . فيهتف بهم هتاف الفطرة السليمة في استنكار شديد . ( ماذا تعبدون ? )ماذا ? فإن ما تعبدون ليس من شانه أن يعبد ، ولا أن يكون له عابدون ! وما يعبده الإنسان في شبهة من حق . إنما هو الإفك المحض . والافتراء الذي لا شبهة فيه .
{ إذ قال لأبيهِ } بدل من { من جاء ربه بقلب سليم } بدلَ اشتمال فإن قوله هذا لما نشأ عن امتلاء قلبه بالتوحيد والغضب لله على المشركين كان كالشيء المشتمل عليه قلبه السليم فصدر عنه .
و { ماذا تعبدون } استفهام إنكاري على أن يعبدوا ما يعبدونه ولذلك أتبعه باستفهام آخر إنكاري وهو { أئِفكاً ءَالهَةً دونَ الله تريدون } . وهذا الذي اقتضى الإِتيان باسم الإِشارة بعد « ما » الاستفهامية الذي هو مُشرَب معنى الموصول المشار إليه ، فاقتضى أن ما يعبدونه مشاهد لإِبراهيم فانصرف الاستفهام بذلك إلى معنىً دون الحقيقي وهو معنى الإِنكار ، بخلاف قوله : { إذْ قالَ لأبيهِ وقومهِ ماذا تعبدون } في سورة [ الشعراء : 70 ] فإنه استفهام على معبوداتهم ولذلك أجابوا عنه { قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين } [ الشعراء : 71 ] وإنما أراد بالاستفهام هنالك التمهيد إلى المحاجّة فصوره في صورة الاستفهام لسماع جوابهم فينتقلَ إلى إبطاله ، كما هو ظاهر من ترتيب حجاجه هنالك ، فذلك حكاية لقول إبراهيم في ابتداء دعوته قومه ، وأما ما هنا فحكاية لبعض أقواله في إعادة الدعوة وتأكيدها .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إذ قال لأبيه} آزر {وقومه ماذا تعبدون} من الأصنام.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"إذْ قالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذَا تَعْبُدُونَ" يقول حين قال: يعني إبراهيم لأبيه وقومه: أيّ شيء تعبدون.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
في الوقت الذي قال لأبيه وقومه حين رآهم يعبدون الأصنام من دون الله، على وجه التهجين لفعلهم والتقريع لهم:"ماذا تعبدون" أي أي شيء تعبدون من هذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
سألهم على جِهة الإنكار عليهم، والتنبيه لهم على موضع غلطتهم.
اعلم أنه تعالى لما ذكر أن إبراهيم جاء ربه بقلب سليم، ذكر أن من جملة آثار تلك السلامة أن دعا أباه وقومه إلى التوحيد.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ثم أبدل من ذلك ما هو دليل عليه فقال: {إذ قال لأبيه} أي الذي هو أعظم الناس عنده وأجلهم في عينه وأعزهم لديه.
{وقومه} أي الذين لهم من القوة والجدود ما تهابهم به الأسود.
{ماذا} أي ما الذي {تعبدون} تحقيراً لأمرهم وأمر معبوداتهم منبهاً على أنه لا علة لهم في الحقيقة تحمل على عبادتها، غير مكترث بكثرتهم ولا هائب لقوتهم ولا مراع لميل الطبع البشري إلى مودتهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
بهذا القلب السليم، استنكر ما عليه قومه واستبشعه، استنكار الحس السليم لكل ما تنبو عنه الفطرة الصادقة من تصور ومن سلوك، فيهتف بهم هتاف الفطرة السليمة في استنكار شديد: (ماذا تعبدون؟) ماذا؟ فإن ما تعبدون ليس من شانه أن يعبد، ولا أن يكون له عابدون! وما يعبده الإنسان في شبهة من حق، إنما هو الإفك المحض، والافتراء الذي لا شبهة فيه.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
إن قوله هذا لما نشأ عن امتلاء قلبه بالتوحيد والغضب لله على المشركين، كان كالشيء المشتمل عليه قلبه السليم فصدر عنه.
وقوله سبحانه: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ} وهذه تُعَدُّ من سلامة القلب، لأنه أحبَّ شيئاً وسَعِد به، فأراد أنْ ينقله إلى غيره وأوَّلهم الأقارب، فهم أَوْلَى الناس بأنْ تُعدِّي لهم خيرك؛ لذلك أول ما دعا إبراهيم دعا أباه وقومه: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ}.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.