قال الله تعالى : { وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِين } أي : وما بُعث هؤلاء المجرمون{[29865]} حافظين على هؤلاء المؤمنين ما يصدر من أعمالهم وأقوالهم ، ولا كلفوا بهم ؟ فلم اشتغلوا بهم وجعلوهم نصب أعينهم ، كما قال تعالى : { قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ } [ المؤمنون : 108 - 111 ] .
وقوله : وَإذَا رأَوْهُمْ قالُوا إنّ هَؤُلاءِ لَضَالّونَ يقول تعالى ذكره : وإذا رأى المجرمون المؤمنين قالوا لهم : إن هؤلاء لضالون ، عن محجة الحقّ ، وسبيل القصد ومَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ يقول جلّ ثناؤه : وما بُعث هؤلاء الكفار القائلون للمؤمنين إن هؤلاء لضالون ، حافظين عليهم أعمالهم يقول : إنما كُلّفوا الإيمان بالله ، والعمل بطاعته ، ولم يُجعلوا رُقباء على غيرهم يحفظون عليهم ، أعمالهم ويتفقدونها .
أما الضمير في : { رأوا } وفي { قالوا } : قال الطبري وغيره : هو للكفار ، والمعنى أنهم يرمون المؤمنين بالضلال ، والكفار لم يرسلوا على المؤمنين حفظة لهم ، وقال بعض علماء التأويل : بل المعنى بالعكس ، وإن معنى الآية : وإذا رأى المؤمنون الكفار قالوا إنهم لضالون وهو الحق فيهم ، ولكن ذلك يثير الكلام بينهم ، فكأن في الآية حضاً على الموادعة ، أي أن المؤمنين لم يرسلوا حافظين على الكفار ، وهذا كله منسوخ على هذا التأويل بآية السيف .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"ومَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ" يقول جلّ ثناؤه: وما بُعث هؤلاء الكفار القائلون للمؤمنين إن هؤلاء لضالون، حافظين عليهم أعمالهم يقول: إنما كُلّفوا الإيمان بالله، والعمل بطاعته، ولم يُجعلوا رُقباء على غيرهم يحفظون عليهم، أعمالهم ويتفقدونها.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي لم يرسلوا لحفظ أعمال المسلمين، فيكون في ذكر هذا تسفيه أحلامهم، وهو أنهم تركوا النظر في أحوال أنفسهم، وجعلوا يعدون على المسلمين عيوبهم كأنهم أرسلوا عليهم حفّاظّا، وما أرسلوا...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أي لم يرسل هؤلاء الكفار حافظين على المؤمنين، فيحفظون ما هم عليهم، والمراد بذلك الذم لهم بعيب المؤمنين بالضلال من غير أن كلفوا منعهم من المراد وأن ينطقوا في ذلك بالصواب، فضلوا بالخطأ في نسبهم إياهم إلى الضلال، فكانوا ألوم منهم لو اخطئوا فيه، وقد كلفوا الاجتهاد...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَمَا أُرْسِلُواْ} على المسلمين {حافظين} موكلين بهم يحفظون عليهم أحوالهم، ويهيمنون على أعمالهم، ويشهدون برشدهم وضلالهم؛ وهذا تهكم بهم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وما} أي والحال أنهم ما- {أرسلوا} أي من مرسل ما {عليهم} أي على الذين آمنوا خاصة حتى يكون لهم بهم هذا الاعتناء في بيوتهم وخارجها عند مرورهم وغيره {حافظين} أي عريقين في حفظ أعمال الذين آمنوا فما اشتغالهم بهم إلى هذا الحد أن كانوا عندهم في عداد الساقط المهمل كما يزعمون، فما هذه المراعاة المستقصية لأحوالهم. وإن كانوا في عداد المنظور إليه المعتنى به، فليبينوا فساد حالهم بوجه تقبله العقول و يقوم عليه دليل أو ليتبعوهم، وإلا فهم غير عارفين بمواضع الإصلاح وتعاطي الأمور على وجوهها...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وما وكلوا بشأن هؤلاء المؤمنين، وما أقيموا عليهم رقباء، ولا كلفوا وزنهم وتقدير حالهم! فما لهم هم وهذا الوصف وهذا التقرير!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
لم يرسلهم مرسل ليكونوا موكلين بأعمالهم فدل على أن حالهم كحال المرسَل ولذلك نُفي أن يكونوا أرسلوا حافظين عليهم فإن شدة الحرص على أن يقولوا: إن هؤلاء لضالون، كلما رأوهم يشبه حال المرسَل ليتتبع أحوال أحد ومن شأن الرسول الحرص على التبليغ...
فمعنى الحِفظ هنا الرَّقابة ولذلك عدّي بحرف (على) ليتسلط النفي على الإِرسال والحِفظ ومعنَى الاستعلاء المجازي الذي أفاده حرف (على) فينتفي حالُهم الممثَّلُ. وتقديم المجرور على متعلَّقه للاهتمام بمفاد حرف الاستعلاء وبمجروره معَ الرعاية على الفاصلة...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
لا سلطة للكفار {وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} مَنِ الذي أعطى هؤلاء المجرمين صلاحية إصدار الأحكام على المؤمنين؟ وماذا يملكون من الحق الذي يبرّر لهم هذه النظرات؟ ومن هُم في التقييم الإنساني، ليجعلوا من أنفسهم قيّمين على الناس، وعلى المؤمنين بالذات؟ إن الله وحده هو الذي يملك السلطة كلها، وهو الذي يسلّط بعض عباده على بعضٍ، في ما يراه من صلاحهم في ذلك كله. فهل أرسلهم الله عليهم حافظين ليتصرفوا معهم بهذه الطريقة، وماذا يحسبون أنفسهم؟ إن الآية تسخر منهم لأنهم يتدخلون في ما ليس من شأنهم، ويتخذون لأنفسهم مركزاً لا يملكونه ولا يرتفعون إليه، فليعرفوا قدرهم، وليقفوا عند حدّهم، فما وكلناهم بهم، وما أرسلناهم عليهم حافظين...