ثم حكى - سبحانه - أقوالهم التي تدل على طغيانهم وجهالاتهم فقال : { وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .
والوعد : مصدر بمعنى الموعود ، والمقصود به ما أخبرهم به صلى الله عليه وسلم من أن هناك بعثا وحسابا وجزاء . . ومن أن العاقبة والنصر للمؤمنين .
أي : ويقول هؤلاء الجاحدون للرسول صلى الله عليه وسلم ولأصحابه ، على سبيل التهكم والاستهزاء : متى يقع هذا الذي تخبروننا عنه من البعث والحساب والجزاء ، ومن النصر لكم لا لنا . . ؟
وجواب الشرط محذوف والتقدير : إن كنتم صادقين فيما تقولونه لنا ، فأين هو ؟ إننا لا نراه ولا نحسه .
لما لم تكن لهم معارضة للحجة التي في قوله : { هو الذي أنشأكم } [ الملك : 23 ] إلى { هو الذي ذرأكم في الأرض } [ الملك : 24 ] انحصر عنادهم في مضمون قوله : { وإليه تحشرون } [ الملك : 24 ] فإنهم قد جحدوا البعث وأعلنوا بجحده وتعجبوا من إنذار القرآن به ، وقال بعضهم لبعض { هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد أفترى على الله كذباً أم به جِنة } [ سبأ : 78 ] وكانوا يقولون : { متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [ سبأ : 29 ] واستمروا على قوله ، فلذلك حكاه الله عنهم بصيغة المضارع المقتضية للتكرير .
و { الوعد } مصدر بمعنى اسم المفعول ، أي متى هذا الوعد فيجوز أن يراد به الحشر المستفاد من قوله : { وإليه تحشرون } [ الملك : 24 ] فالإشارة إليه بقوله : { هذا } ظاهرة ، ويجوز أن يراد به وعد آخر بنصر المسلمين ، فالإشارة إلى وعيد سمعوه .
والاستفهام بقولهم : { متى هذا الوعد } مستعمل في التهكم لأن من عادتهم أن يستهزئوا بذلك قال تعالى : { فسيقولون من يُعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو } [ الإسراء : 51 ]
وأتوا بلفظ { الوعد } استنجازاً له لأن شأن الوعد الوفاء .
وضمير الخطاب في : { إن كنتم صادقين } للنبيء صلى الله عليه وسلم والمسلمين لأنهم يلهجون بإنذارهم بيوم الحشر ، وتقدم نظيره في سورة سبأ .
وأمر الله رسوله بأن يجيب سؤالهم بجملة على خلاف مرادهم بل على ظاهر الاستفهام عن وقت الوعد على طريقة الأسلوب الحكيم ، بأن وقت هذا الوعد لا يعلمه إلاّ الله .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ"، يقول جلّ ثناؤه: ويقول المشركون: متى يكون ما تعدنا من الحشر إلى الله، إن كنتم صادقين في وعدكم إيانا ما تعدوننا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فقولهم هذا خارج مخرج الاستهزاء والاستخفاف برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر الله سبحانه وتعالى نبيه عليه السلام أن يجيبهم بالجواب الذي يليق صدوره من الحكماء، ولم يأذن له أن يجازيهم باستخفافهم إياه استخفافا مثله...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
فأخبر تعالى أنهم يستعجلون أمر القيامة، ويوقفون على الصدق في الإخبار بذلك.
واعلم أنه تعالى لما أمر محمدا صلى الله عليه وسلم بأن يخوفهم بعذاب الله حكى عن الكفار شيئين (أحدهما): أنهم طالبوه بتعيين الوقت...
قوله تعالى: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال أبو مسلم إنه تعالى قال: يقول بلفظ المستقبل فهذا يحتمل ما يوجد من الكفار من هذا القول في المستقبل، ويحتمل الماضي، والتقدير: فكانوا يقولون هذا الوعد.
المسألة الثانية: لعلهم كانوا يقولون ذلك على سبيل السخرية، ولعلهم كانوا يقولونها إبهاما للضعفة أنه لما لم يتعجل فلا أصل له.
المسألة الثالثة: الوعد المسؤول عنه ما هو؟ فيه وجهان:
(والثاني): أنه مطلق العذاب، وفائدة هذا الاختلاف تظهر بعد ذلك إن شاء الله...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ويقولون} أي يجددون هذا القول تجديداً مستمراً استهزاء وتكذيباً، ويجوز أن يكون حالاً من الواو في "بل لجوا ": {متى هذا} وزادوا في الاستهزاء بقولهم {الوعد} وألهبوا وهيجوا إيضاحاً للتكذيب على زعمهم بقولهم: {إن كنتم} جبلة وطبعاً {صادقين} في أنه لا بد لنا منه، وأنكم مقربون عند الله،
فلو كان لهم ثبات الصبر واليقين، لما طاشوا هذا الطيش بإبراز هذا القول القبيح، الذي ظاهره طلب الإخبار بوقت الأمر المتوعد به، وباطنه الاستعجال به استهزاء وتكذيباً...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يحكي شكهم في هذا الحشر، وارتيابهم في هذا الوعد: (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟).. وهو سؤال الشاك المستريب. كما أنه سؤال المماحك المتعنت. فإن معرفة موعد هذا الوعد وميقاته لا تقدم ولا تؤخر؛ ولا علاقة لها بحقيقته، وهو أنه يوم الجزاء بعد الابتلاء. ويستوي بالقياس إليهم أن يجيء غدا أو أن يجيء بعد ملايين السنين.. فالمهم أنه آت، وأنهم محشورون فيه، وأنهم مجازون بما عملوا في الحياة. ومن ثم لم يطلع الله أحدا من خلقه على موعده، لأنه لا مصلحة لهم في معرفته، ولا علاقة لهذا بطبيعة هذا اليوم وحقيقته، ولا أثر له في التكاليف التي يطالب الناس بها استعدادا لملاقاته، بل المصلحة والحكمة في إخفاء ميقاته عن الخلق كافة، واختصاص الله بعلم ذلك الموعد، دون الخلق جميعا:...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
لما لم تكن لهم معارضة للحجة التي في قوله: {هو الذي أنشأكم} [الملك: 23] إلى {هو الذي ذرأكم في الأرض} [الملك: 24] انحصر عنادهم في مضمون قوله: {وإليه تحشرون} [الملك: 24]؛ فإنهم قد جحدوا البعث وأعلنوا بجحده وتعجبوا من إنذار القرآن به، وقال بعضهم لبعض {هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد أفترى على الله كذباً أم به جِنة} [سبأ: 78] وكانوا يقولون: {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [سبأ: 29] واستمروا على قوله، فلذلك حكاه الله عنهم بصيغة المضارع المقتضية للتكرير.
و {الوعد}... فيجوز أن يراد به الحشر المستفاد من قوله: {وإليه تحشرون} [الملك: 24] فالإشارة إليه بقوله: {هذا} ظاهرة، ويجوز أن يراد به وعد آخر بنصر المسلمين، فالإشارة إلى وعيد سمعوه.
والاستفهام بقولهم: {متى هذا الوعد} مستعمل في التهكم لأن من عادتهم أن يستهزئوا بذلك قال تعالى: {فسيقولون من يُعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو} [الإسراء: 51]
وأتوا بلفظ {الوعد} استنجازاً له، لأن شأن الوعد الوفاء.
وضمير الخطاب في: {إن كنتم صادقين} للنبيء صلى الله عليه وسلم والمسلمين لأنهم يلهجون بإنذارهم بيوم الحشر.
وأمر الله رسوله بأن يجيب سؤالهم بجملة على خلاف مرادهم بل على ظاهر الاستفهام عن وقت الوعد على طريقة الأسلوب الحكيم، بأن وقت هذا الوعد لا يعلمه إلاّ الله.