ثم بين - سبحانه - مظاهر هذا التكذيب لرسولهم - عليه السلام - فقال : { وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } .
أى : وأعطينا قوم صالح - عليه السلام - آياتنا الدالة على صدقه وعلى أنه رسول من عندنا ، والتى من بينها الناقة التي أخرجها الله - تعالى - لهم ببركة دعاء نبيهم { فكانوا عنها } أى عن هذه الآيات الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا { معرضين } لا يلتفتون إليها ، ولا يفكرون فيها ، ولهذا عقروا الناقة { وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ائتنا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ المرسلين }
أصحاب الحجر هم : ثمود الذين كذبوا صالحا نبيهم ، ومن كذب برسول فقد كذب بجميع المرسلين ؛ ولهذا أطلق عليهم تكذيب المرسلين .
وذكر تعالى أنه آتاهم من الآيات ما يدلهم على صدق ما جاءهم به صالح ، كالناقة التي أخرجها الله لهم بدعاء صالح من صخرة صماء فكانت{[16223]} تسرح في بلادهم ، لها شرب ولهم شرب يوم معلوم . فلما عَتَوا وعقروها قال لهم : { تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [ هود : 65 ] وقال تعالى : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } [ فصلت : 17 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وآتيناهم آياتنا}، يعني: الناقة آية لهم، فكانت ترويهم من اللبن في يوم شربها من غير أن يكلفوا مؤنة،
{فكانوا عنها معرضين}، حين لم يتفكروا في أمر الناقة وابنها فيعتبروا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وأريناهم أدلتنا وحججنا على حقيقة ما بعثنا به إليهم رسولنا صالحا، فكانوا عن آياتنا التي آتيناهم معرضين لا يعتبرون بها ولا يتعظون.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
تحتمل الآيات آيات وحدانية الله وحججه. وتحتمل جميع الآيات: آيات الوحدانية وحججها وآيات رسالتهم...
{معرضين} أي لم يقبلوها، فقد اعرضوا عنها، واعرضوا عنها، أي كذبوها.
...وأضاف الإيتاء إليهم وإن كانت الناقة آية لصالح لأنها آيات رسولهم، وقوله: {فكانوا عنها معرضين} يدل على أن النظر والاستدلال واجب وأن التقليد مذموم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ءاياتنا} أي كلها، بإيتاء الناقة وسقيها ودرها وشربها، لأن الممكنات كلها بالنسبة إلى قدرته على حد سواء، فمن كذب بواحدة منها فقد كذب بالجميع {فكانوا} أي كوناً هو كالجبلة {عنها} أي الآيات كلها خاصة، لا عن زينة الدنيا التي تجر إلى الباطل {معرضين} أي راسخين في الإعراض، لم يؤمنوا بها...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وآية صالح كانت الناقة. ولكن الآيات في هذا الكون كثير. والآيات في هذه الأنفس كثير. وكلها معروضة للأنظار والأفكار. وليست الخارقة التي جاءهم بها صالح هي وحدها الآية التي آتاهم الله. وقد أعرضوا عن آيات الله كلها، ولم يفتحوا لها عينا ولا قلبا، ولم يستشعرها فيهم عقل ولا ضمير.
... ونعلم أن الآيات تأتي دائماً بمعنى المعجزات الدالة على صدق الرسول، أو: آيات الكون، أو: آيات المنهج المبلغ عن الله، تكون آية الرسول من هؤلاء من نوع ما نبغ فيه القوم المرسل إليهم؛ لكنهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثلها. وعادة ما تثير هذه الآية خاصية التحدي الموجودة في الإنسان، ولكن أحداً من قوم الرسل أي رسول لا يفلح في أن يأتي بمثل آية الرسول المرسل إليهم. ويقول الحق سبحانه عن قوم صالح: {وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين} أي: تكبروا وأعرضوا عن المنهج الذي جاءهم به صالح، والإعراض هو أن تعطي الشيء عرضك بأن تبتعد عنه ولا تقبل عليه، ولو أنك أقبلت عليه لوجدت فيه الخير لك. وأنت حين تقبل على آيات الله ستجد أنها تدعوك للتفكر، فتؤمن أن لها خالقاً فتلتزم بتعاليم المنهج الذي جاء به الرسول. وأنت حين تفكر في الحكمة من الطاعة ستجد أنها تريحك من قلق الاعتماد على أحد غير خالقك، لكن لو أخذت المسائل بسطحية؛ فلن تنتهي إلي الإيمان. ولذلك نجده سبحانه يقول في موقع آخر من القرآن الكريم: {وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون} (سورة يوسف 105) وفي هذا تكليف للمؤمن كل مؤمن أن يمعن النظر في آيات الكون لعله يستنبط منها ما يفيد غيره. وأنت لو نظرت إلي كل المخترعات التي في الكون لوجدتها نتيجة للإقبال عليها من قبل عالم أراد أن يكتشف فيها ما يريح غيره به.
وإذا كان هذا في أمر الكونيات؛ فأنت أيضاً إذا تأملت آيات الأحكام في "افعل "و "لا تفعل" ستجدها تفيدك في حياتك ومستقبلك...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَآتَيْناهُمْ آياتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} فلم يكن تكذيبهم من موقع الشبهة التي تتيح ذلك أو تبرّره، بل كان من موقع الحجة التي أقامها الله عليهم بعد إنزال الآيات الكثيرة التي أعرضوا عنها ولم يفكروا فيها أو يناقشوها ليعرفوا وجه الحق فيها
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وموقف الإعراض المشار إِليه كما يبدو هو عدم استعدادهم لسماع الآيات والتفكر بها.