وأنه جعل لهم فيها منافع كثيرة من حملهم وحمل أثقالهم ومحاملهم وأمتعتهم من محل إلى محل ، ومن أكلهم منها ، وفيها دفء ، ومن أوبارها وأشعارها وأصوافها أثاثا ومتاعا إلى حين ، وفيها زينة وجمال ، وغير ذلك من المنافع المشاهدة منها ، { أَفَلَا يَشْكُرُونَ } اللّه تعالى الذي أنعم بهذه النعم ، ويخلصون له العبادة ولا يتمتعون بها تمتعا خاليا من العبرة والفكرة .
أما المنافع الأخرى فقد جاءت بعد ذلك فى قوله : { وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ . . . } أى : وجعلنا هذه الأنعام مذللة ومسخرة لهم ، بحيث أصبحت فى أيديهم سهلة القيادة ، مطواعة لما يريدونه منها ، يقودونها فتنقاد للصغير والكبير . كما قال القائل :
لقد عظُم البعير بغير لُبٍّ . . . فلم يستغن بالعِظًم البعيرُ
يصرِّفُه الصبى بكل وجه . . . ويحبسه على الخسف الجَرِيرُ
وتضربه الوليدة بالهراوى . . . فلا غِيرَ لديه ولان نكير
ففى هذه الجملة الكريمة تذكير لهم بنعمة تسخير الأنعام لهم ، ولو شاء - سبحانه - لجعلها وحشية بحيث ينفرون منها .
والفاء فى قوله : { فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } تفريع على ما تقدم وركوب بمعنى مركوب .
أى : وصيرناهذه الأنعام مذللة ومسخرة لهم ، فمنها ما يستعملونه فى ركوبهم والانتقال عليها من مكان إلى آخر ، ومنها ما يستعملونه فى مآكلهم عن طريق ذبحه .
وفضلاً عن كل ذلك ، فإنهم " لهم " فى تلك الأنعام { منافع } أخرى غير الركوب وغير الأكل كالانتفاع بها فى الحراثة وفى نقل الأثقال . . . ولهم فيها - أيضاً - " مشارب " حيث يشربون من ألبانها .
والاستفهام فى قوله : { أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } للتخصيص على الشكر ، أى : فهلا يشكرون الله - تعالى - على هذه النعم ، ويخلصون له العبادة والطاعة .
وذللها لهم يركبونها ويأكلون منها ويشربون ألبانها ، وينتفعون بها منافع شتى . . وكل ذلك من قدرة الله وتدبيره ؛ ومن إيداعه ما أودع من الخصائص في الناس وفي الأنعام ، فجعلهم قادرين على تذليلها واستخدامها والانتفاع بها . وجعلها مذللة نافعة ملبية لشتى حاجات الإنسان . وما يملك الناس أن يصنعوا من ذلك كله شيئاً . وما يملكون أن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له . وما يملكون أن يذللوا ذبابة لم يركب الله في خصائصها أن تكون ذلولاً لهم ! . . ( أفلا يشكرون ? ) . .
وحين ينظر الإنسان إلى الأمر بهذه العين وفي هذا الضوء الذي يشيعه القرآن الكريم . فإنه يحس لتوه أنه مغمور بفيض من نعم الله . فيض يتمثل في كل شيء حوله . وتصبح كل مرة يركب فيها دابة ، أو يأكل قطعة من لحم ، أو يشرب جرعة من لبن ، أو يتناول قطعة من سمن أو جبن . أو يلبس ثوباً من شعر أو صوف أو وبر . . . إلى آخره إلى آخره . . لمسة وجدانية تشعر قلبه بوجود الخالق ورحمته ونعمته . ويطرد هذا في كل ما تمس يده من أشياء حوله ، وكل ما يستخدمه من حي أو جامد في هذا الكون الكبير . وتعود حياته كلها تسبيحاً لله وحمداً وعبادة آناء الليل وأطراف النهار . . ولكن الناس لا يشكرون .
فرع على هذا التذكير والامتنان قوله : { أفلا يَشْكُرونَ } استفهاماً تعجيبياً لتركهم تكرير الشكر على هذه النعم العِدّة فلذلك جيء بالمضارع المفيد للتجديد والاستمرار لأن تلك النعم متتالية متعاقبة في كل حين ، وإذ قد عُجِب من عدم تكريرهم الشكر كانت إفادة التعجيب من عدم الشكر من أصله بالفحوى ولذلك أعقبه بقوله : { واتخذوا من دُونِ الله ءَالِهَةً } [ يس : 74 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.