{ إِنْ هُوَ } أي : هذا الوحي والقرآن { إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } يتذكرون به كل ما ينفعهم ، من مصالح دينهم ودنياهم ، فيكون شرفا ورفعة للعاملين به ، وإقامة حجة على المعاندين .
فهذه السورة العظيمة ، مشتملة على الذكر الحكيم ، والنبأ العظيم ، وإقامة الحجج والبراهين ، على من كذب بالقرآن وعارضه ، وكذب من جاء به ، والإخبار عن عباد اللّه المخلصين ، وجزاء المتقين والطاغين . فلهذا أقسم في أولها بأنه ذو الذكر ، ووصفه في آخرها بأنه ذكر للعالمين .
وأكثر التذكير بها فيما بين ذلك ، كقوله : { واذكر عبدنا } - { واذكر عبادنا } - { رحمة من عندنا وذكرى } { هذا ذكر }
اللّهم علمنا منه ما جهلنا ، وذكرنا منه ما نسينا ، نسيان غفلة ونسيان ترك .
وقوله : { إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } يعني : القرآن ذكر لجميع المكلفين من الإنس والجن ، قاله ابن عباس . ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه ، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل : حدثنا قيس ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : { لِلْعَالَمِينَ } قال : الجن والإنس .
وهذه الآية كقوله تعالى : { لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } [ الأنعام : 19 ] ، وكقوله { وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ } [ هود : 17 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إن هو إلا ذكر}: ما القرآن إلا بيان {للعالمين}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قل لهؤلاء المشركين من قومك:"إنْ هُوَ": ما هذا القرآن "إلاّ ذِكْرٌ": إلا تذكير من الله "للْعالَمِينَ "من الجنّ والإنس، ذكرهم ربهم إرادة استنقاذ من آمن به منهم من الهَلَكة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ما هذا القرآن وهذا النبأ الأعظم إلا ذكر لمن انتفع به...
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ليس هذا القرآن إلا شرف للعالمين...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{للعالمين} كلهم يفهم كل فرد منهم ما تحتمله قواه منه، ذكياً كان أو غبياً على ما هو عليه من العلو الذي لا يدانيه فيه كلام، بخلاف الشعر والكهانة التي محطها السجع والكذب في الإخبار ببعض المغيبات، فإنهما مع سفول رتبتهما لا يفهمهما من العالمين إلا ذاك وذاك...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
يتذكرون به كل ما ينفعهم، من مصالح دينهم ودنياهم، فيكون شرفا ورفعة للعاملين به، وإقامة حجة على المعاندين.
فلهذا أقسم في أولها بأنه ذو الذكر، ووصفه في آخرها بأنه ذكر للعالمين، وأكثر التذكير بها فيما بين ذلك، كقوله: {واذكر عبدنا} -{واذكر عبادنا}- {رحمة من عندنا وذكرى} {هذا ذكر}.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
لما نفَى بقوله: {وما أنا من المتكلفين} أن يكون تَقَوَّل القرآن على الله، ثبت من ذلك أن القرآن ذكرٌ للناس ذكّرهم الله به، أي ليس هو بالأساطير أو الترهات.
ولك أن تجعلها تذييلاً؛ إذ لا منافاة بينهما هنا، وهذا الإِخبار عن موقع القرآن لدى جميع أمة الدعوة لا خصوص المشركين الذين كان في مجادلتهم؛ لأنه لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرجو من معانديه أجراً، وثبت بذلك أنه ليس بمتقول ما لم يُوحَ إليه انتقل إلى إثبات أن القرآن ذكر للناس قاطبة فيدخل في ذلك مشركو أهل مكة وغيرهم من الناس، فكأنه قيل يستغني الله عنكم بأقوامٍ آخرين كما قال تعالى: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم} [الزمر: 7].
وعموم العالمين يكسب الجملة معنى التذييل للجملتين قبلها. والقصر الذي اشتملت عليه جملة {إن هو إلا ذِكرٌ للعالمين} قصر قلب إضافي، أي هو ذكر لا أساطير ولا سِحر ولا شعر ولا غير ذلك للردّ على المشركين ما وسَموا به القرآن من غير صفاته الحقيقية...
ثم يقول سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} أي: ما هو أي القرآن {إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} والذكر والتذكير لا ينشأ إلا من نسيان شيء سابق ونريد أنْ نُذكِّرك به، فالقرآن ذكْر بمعنى أنْ يُذكِّرك بما نسيته من العهد الأول عهد الفطرة الذي أخذه الله عليك وأنت في طوْر الذَّرِّ، فقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ..} [الأعراف: 172] فأقر الجميع {قَالُواْ بَلَىٰ..} [الأعراف: 172]. فقال الله تعالى: إذن احفظوا هذا العهد وتذكروا هذا الإقرار {أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ..} [الأعراف: 172-173].
إذن: الحق سبحانه لا يكلِّفك بهذا الإقرار إنما يُذكِّرك به، لأن التكليف أُخِذَ عليك يوم أنْ كنتَ ذرةً في ظهر أبيك آدم، ولم تكُنْ لك شهوة.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
المهمّ هو أن يوقظ الناس من غفلتهم ويجعلهم يتعمّقون في التفكير؛ لأنّ الطريق واضح وعلاماته ظاهرة، والفطرة السليمة في داخل الإنسان تمثّل دافعاً قويّاً تدفع الإنسان إلى سبيل التوحيد والتقوى، فالمهمّ هو الصحوة، وهذه هي الرسالة الرئيسيّة للأنبياء ولكتبهم السماوية.