وقوله - سبحانه - : { واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشدد بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي } دعاء آخر تضرع به إلى ربه فى أمر خارجى عنه ، بعد أن دعاه فى أمر يتعلق بصدره ولسانه .
وقوله : { وَزِيراً } من الموازرة وهى المعاونة . يقال : وازرت فلانا موازرة ، إذا أعنته على أمره ، أو من الوزر - بفتح الواو والزاى - وهو الملجأ الذى يعتصم به الإنسان لينجو من الهلاك .
أى : وأسالك - يا إلهى - أن تجعل لى " وزيرا " أى : معينا وظهيرا من أهلى فى إبلاغ رسالتك ، وهذا الوزير المعين هو أخى هارون ، الذى أسألك أن تقوى به ظهرى ، وأن تجعله شريكا لى فى تبليغ رسالتك ، حتى نؤديها على الوجه الأكمل ، وكأن موسى - عليه السلام - قد علم من نفسه حدة الطبع ، وسرعة الانفعال ، فالتجأ إلى ربه لكى يعينه بأخيه هارون ، ليقويه ويتشاور معه فى الأمر الجليل الذى هو مقدم عليه ، وهو تبليغ رسالة الله إلى فرعون الذى طغى وبغى وقال لقومه أنا ربكم الأعلى .
القول في تأويل قوله تعالى : { اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِيَ أَمْرِي * كَيْ نُسَبّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن موسى أنه سأل ربه أن يشدد أزره بأخيه هارون . وإنما يعني بقوله : " اشْدُدْ بِهِ أزْرِي " قوّ ظهري ، وأعنّي به . يقال منه : قد أزر فلان فلانا : إذا أعانه وشدّ ظهره . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " اشْدُدْ بِهِ أزْرِي " يقول : اشدد به ظهري .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " اشْدُدْ بِهِ أزْرِي " يقول : اشدد به أمري ، وقوّني به ، فإن لي به قوّة .
وقرأ ابن عامر وحده «أَشدد » بفتح الهمزة و «أُشركه » بضمها على أن موسى أسند هذه الأفعال إلى نفسه ، ويكون الأمر هنا لا يريد به النبوءة بل يريد تدبيره ومساعيه لأن النبوة لا يكون لموسى أن يشرك فيها بشراً ، وقرأ الباقون «أُشدد » بضم الهمزة «وأشرك » على معنى الدعاء في شد الأزر وتشريك هارون في النبوءة وهذه في الوجه لأنها تناسب ما تقدم من الدعاء وتعضدها آيات غير هذه بطلبه تصديق هارون إياه . و «الأزر » بمعنى الظهر قال أبو عبيدة كأنه قال شد به عوني واجعله مقاومي فيما أحاوله وقال امرؤ القيس : [ الطويل ]
بمحنية قد آزر الضال نبتها . . . فجر جيوش غانمين وخيب{[1]}
أي قاومه وصار في طوله ، وفتح أبو عمرو وابن كثير الياء من { أخي } وسكنها الباقون وروي عن نافع «وأشركهو » بزيادة واو في اللفظ بعد الهاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.