ثم حكى - سبحانه - ما قالوه فقال : { قَالُواْ } على سبيل التعجب والإنكار { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } .
فهم يرون - لجهلهم وغبائهم - أنه من المستحيل أن يعادوا إلى الحياة بعد أن يموتوا ويصيروا تراباً وعظاماً نخرة .
وهذا الذى قالوه هنا . قد حكى القرآن عنهم مثله فى آيات كثيرة ، من ذلك قوله - تعالى - { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } وقوله - سبحانه - : { يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ }
وهنا يعدل عن خطابهم وجدالهم ، ليحكي مقولاتهم عن البعث والحساب ، بعد كل هذه الدلائل والآيات :
بل قالوا مثلما قال الأولون . قالوا : أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعثون ? لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل . إن هذا إلا أساطير الأولين . .
وتبدو هذه القولة مستنكرة غريبة بعد تلك الآيات والدلائل الناطقة بتدبير الله ، وحكمته في الخلق ، فقد وهب الإنسان السمع والبصر والفؤاد ليكون مسؤولا عن نشاطه وعمله ، مجزيا على صلاحه وفساده ؛ والحساب والجزاء يكونان على حقيقتهما في الآخرة ، فالمشهود في هذه الأرض أن الجزاء قد لا يقع ، لأنه متروك إلى موعده هناك .
والله يحيي ويميت ؛ فليس شيء من أمر البعث بعسير ، والحياة تدب في كل لحظة ، وتنشأ من حيث لا يدري إلا الله .
جملة { قالوا أإذا متنا } إلخ بدل مطابق من جملة { قالوا مثل ما قال الأولون } تفصيل لإجمال المماثلة ، فالضمير الذي مع { قالوا } الثاني عائد إلى ما عاد إليه ضمير { قالوا } الأول وليس عائداً على { الأولون } . ويجوز جعل { قالوا } الثاني استئنافاً بيانياً لبيان { ما قال الأولون } ويكون الضمير عائداً إلى { الأولون } والمعنى واحد على التقديرين . وعلى كلا الوجهين فإعادة فعل ( قالوا ) من قبيل إعادة الذي عمل في المبدل منه . ونكتته هنا التعجيب من هذا القول .
وقرأ الجمهور { أإذا متنا } بهمزتين على أنه استفهام عن الشرط . وقرأه ابن عامر بهمزة واحدة على صورة الخبر والاستفهام مقدر في جملة { إنا لمبعوثون } .
وقرأ الجمهور { أإنّا لمبعوثون } بهمزتين على تأكيد همزة الاستفهام الأولى بإدخال مثلها على جواب الشرط . وقرأه نافع وأبو جعفر بدون همزة استفهام ووجود همزة الاستفهام داخلة على الشرط كاف في إفادة الاستفهام عن جوابه .
والاستفهام إنكاري ، و { إذا } ظرف لقوله { مبعوثون } .
والجمع بين ذكر الموت والكون تراباً وعظاماً لقصد تقوية الإنكار بتفظيع إخبار القرآن بوقوع البعث ، أي الإحياء بعد ذلك التلاشي القوي .
وأما ذكر حرف ( إن ) في قولهم { أإنا لمبعوثون } فالمقصود منه حكاية دعوى البعث بأن الرسول الذي يدعيها بتحقيق وتوكيد مع كونها شديدة الاستحالة ، ففي حكاية توكيد مدعيها زيادة في تفظيع الدعوى في وهمهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.