وقوله : إلاّ عِبادَ اللّهِ المُخْلَصِينَ يقول تعالى : فانظر كيف كان عاقبة المنذَرين ، إلا عباد الله الذين أخلصناهم للإيمان بالله وبرسله واستثنى عباد الله من المنذَرين ، لأن معنى الكلام : فانظر كيف أهلكنا المنذَرين إلا عباد الله المؤمنين ، فلذلك حسن استثناؤهم منهم . وبنحو الذي قلنا في قوله : إلاّ عِبادَ اللّهِ المُخْلَصِينَ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : إلاّ عِبادَ اللّهِ المُخْلَصِينَ قال : الذين استخلَصهم الله .
{ ولقد أرسلنا فيهم منذرين } أنبياء أنذروهم من العواقب .
{ فانظر كيف كان عاقبة المنذرين } من الشدة والفظاعة .
{ إلا عباد الله المخلصين } إلا الذين تنبهوا بإنذارهم فأخلصوا دينهم لله ، وقرئ بالفتح أي الذين أخلصهم الله لدينه والخطاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمقصود خطاب قومه فإنهم أيضا سمعوا أخبارهم ورأوا آثارهم .
واستثني { عِبَادَ الله المُخلصين } من { الأوَّلِينَ } استثناءً متّصلاً فإن عباد الله المخلصين كانوا من جملة المنذَرين فصدّقوا المنذِرين ولم يشاركوا المنذَرين في عاقبتهم المنظور فيها وهي عاقبة السوء . وتقدم اختلاف القراء في فتح اللام وكسرها من قوله : { المخلصين } عند قوله تعالى : { وما تجزون إلا ما كنتم تعملون إلا عباد الله المخلصين } [ الصافات : 39 - 40 ]
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"إلاّ عِبادَ اللّهِ المُخْلَصِينَ" يقول تعالى: فانظر كيف كان عاقبة المنذَرين، إلا عباد الله الذين أخلصناهم للإيمان بالله وبرسله واستثنى عباد الله من المنذَرين، لأن معنى الكلام: فانظر كيف أهلكنا المنذَرين إلا عباد الله المؤمنين، فلذلك حسن استثناؤهم منهم. وبنحو الذي قلنا في قوله: إلاّ عِبادَ اللّهِ المُخْلَصِينَ قال أهل التأويل.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
استثنى المخلصين منهم، وهم الذين نفعتهم النذارة، وقبلوها، فنجوا مما ذكر من عذابهم، ويحتمل أنه سماهم المخلصين لما اصطفاهم، وأخلصهم لعبادته.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
وقرئ:"مخلصين" بكسر اللام، فقوله: (مخلصين) أي: الذين أخلصهم الله واختارهم، وأما بالكسر أي: الذين أخلصوا العمل لله تعالى.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما أفهم الحكم على الأكثر بالضلال أن الأقل على غير حالهم، نبه على حال الطائعين بقوله مستثنياً من ضمير المنذرين: {إلا عباد الله} أي الذين استخلصهم سبحانه بما له من صفات الكمال، فاستحقوا الإضافة إلى اسمه الأعظم.
{المخلصين} أي الذين أخلصهم له فأخلصوا هم أعمالهم، فلم يجعلوا فيها شوباً لغيره...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
الذين أخلصَهم الله تعالى بتوفيقهم للإيمان والعملِ بموجب الإنذارِ.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
واستثني {عِبَادَ الله المُخلصين} من {الأوَّلِينَ} استثناءً متّصلاً فإن عباد الله المخلصين كانوا من جملة المنذَرين فصدّقوا المنذِرين ولم يشاركوا المنذَرين في عاقبتهم المنظور فيها وهي عاقبة السوء.
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
وهذه الآيات معقبة على ما قبلها كما هو المتبادر: فأكثر الأمم السابقة ضلوا كما ضل أكثر العرب، ولقد أرسل الله إليهم منذرين فلم يستجيبوا، فاستحقوا ما استحقوه من سوء العاقبة باستثناء المخلصين من عباد الله الذين استجابوا واهتدوا، وقد انطوى في الآيات تقريع وإنذار للكفار وتنويه بالمؤمنين.
وقد جاءت الآيات في الوقت نفسه مقدمة لسلسلة قصص الأنبياء التي تأتي بعدهما جريا على النظم القرآني.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إنّ عباد الله المخلصين هم الصفوة التي تسلّحت بالعلم والإيمان، وانتصرت على النفس بعد مجاهدتها، وهم الذين أخلصهم الله لنفسه وأزال عنهم الشوائب ليجعلهم خالصين، ولهذا فإنّهم يمتلكون الحصانة الكاملة تجاه الانحرافات والزلل. حقيقة الأمر، أنّ هذه الآية هي خطاب اطمئنان لمؤمني مكّة المقاومين والصامدين في ذلك الوقت، وإنّها دعوة لمسلمي عالم اليوم المليء بالفتن، تدعوهم إلى الانفصال عن صفوف أعداء الله والانضمام إلى عباد الله المخلصين.