ولذا رد الله - تعالى -عليهم بقوله : { بَلْ جَآءَ بالحق وَصَدَّقَ المرسلين } .
أى : ليس الرسول صلى الله عليه وسلم شاعرا أو مجنونا ، كما زعمتم - أيها الجاهلون - بل هو رسول صادق فيما يبلغه عن ربه ، وقد جاءكم بالحق وهو دين التوحيد الذى دعا إليه جميع الرسل ، فكان مصدقا لهم فى الدعوة إليه ، فكيف تزعمون أنه شاعر مجنون ؟
قال الله تعالى تكذيبا لهم ، وردا عليهم : { بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ } يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالحق في جميع شرْعة{[24950]} الله له من الإخبار والطلب ، { وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ } أي : صدّقهم فيما أخبروه{[24951]} عنه من الصفات الحميدة ، والمناهج السديدة ، وأخبر عن الله في شرعه [ وقدره ] وأمره كما أخبروا ، { مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ } الآية [ فصلت : 43 ] .
وقوله : بَلْ جاءَ بالحَقّ وهذا خبر من الله مكذّبا للمشركين الذين قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم : شاعر مجنون ، كذبوا ، ما محمد كما وصفوه به من أنه شاعر مجنون ، بل هو الله نبيّ جاء بالحقّ من عنده ، وهو القرآن الذي أنزله عليه ، وصدّق المرسلين الذين كانوا من قبله . وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة بَلْ جاءَ بالحَقّ بالقرآن وَصَدّقّ المُرْسَلِينَ : أي صدّق من كان قبله من المرسلين .
اعتراض في آخر الاعتراض قُصدت منه المبادرة بتنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عما قالوه .
و { بل } إضراب إبطال لقولهم : { لِشاعر مجنون } [ الصافات : 36 ] وبإثبات صفته الحقِّ لبيان حقيقة ما جاء به . وفي وصف ما جاء به أنه الحق ما يكفي لنفي أن يكون شاعراً ومجنوناً ، فإن المشركين ما أرادوا بوصفه بشاعر أو مجنون إلا التنفير من اتِّباعه فمثلوه بالشاعر من قبيلة يهجو أعداء قبيلته ، أو بالمجنون يقول ما لا يقوله عقلاء قومه ، فكان قوله تعالى : { بل جاءَ بالحقِ } مثبتاً لكون الرسول على غير ما وصفوه إثباتاً بالبينة .
وأتبع ذلك بتذكيرهم بأنه ما جاء إلا بمثل ما جاءت به الرسل من قَبله ، فكان الإِنصاف أن يلحقوه بالفريق الذي شابههم دون فريق الشعراء أو المجانين .
وتصديق المرسلين يجمع ما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إجمالاً وتفصيلاً ، لأن ما جاء به لا يعدو أن يكون تقريراً لما جاءت به الشرائع السالفة فهو تصديق له ومصادقة عليه ، أو أن يكون نسخاً لما جاءت به بعض الشرائع السالفة ، والإِنباءُ بنسخه وانتهاءِ العمل به تصديق للرسل الذين جاءوا به في حين مجيئهم به ، فكل هذا مما شمله معنى التصديق ، وأول ذلك هو إثبات الوحدانية بالربوبية لله تعالى . فالمعنى : أن ما دعاكم إليه من التوحيد قد دعت إليه الرسل من قبله ، وهذا احتجاج بالنقل عقب الاحتجاج بأدلة النظر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.