قوله تعالى : { وقالوا اتخذ الرحمن ولداً } ، يعني اليهود والنصارى ، ومن زعم أن الملائكة بنات الله . وقرأ حمزة و الكسائي : ( ولداً ) بضم الواو وسكون اللام ، هاهنا وفي الزخرف وسورة نوح ، ووافق ابن كثير ، و أبو عمرو ، و يعقوب في سورة نوح ، والباقون بفتح الواو واللام . وهما لغتان مثل : العرب ، والعرب ، والعجم ، والعجم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُواْ اتّخَذَ الرّحْمََنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السّمَاوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقّ الأرْضُ وَتَخِرّ الْجِبَالُ هَدّاً } .
يقول تعالى ذكره : وقال هؤلاء الكافرون بالله اتّخَذَ الرّحْمَنُ وَلَدا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئا إدّا يقول تعالى ذكره للقائلين ذلك من خلقه : لقد جئتم أيها الناس شيئا عظيما من القول منكرا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : شَيْئا إدّا يقول : قولاً عظيما .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئا إدّا يقول : لقد جئتم شيئا عظيما وهو المنكر من القول .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله شَيْئا إدّا قال : عظيما .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله شَيْئا إدّا قال : عظيما .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئا إدّا قال : جئتم شيئا كبيرا من الأمر حين دعوا للرحمن ولدا .
وفي الإدّ لغات ثلاث ، يقال : لقد جئت شيئا إدّا ، بكسر الألف ، وأدّا بفتح الألف ، ومدّها ، على مثال مادّ فاعل . وقرأ قرّاء الأمصار ، وبها نقرأ ، وقد ذكر عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قرأ ذلك بفتح الألف ، ولا أرى قراءته كذلك لخلافها قراءة قرّاء الأمصار ، والعرب تقول لكلّ أمر عظيم : إدّ ، وإمر ، ونكر ومنه قوله الراجز :
قَدْ لَقِيَ الأعْدَاءُ مِنّي نُكْرَا *** دَاهِيَةٌ دَهْياءَ إدّا إمْرا
عطف على جملة { ويقول الإنسان أإذا ما مت } [ مريم : 66 ] أو على جملة { واتخذوا من دون الله آلهة } [ مريم : 81 ] إتماماً لحكاية أقوالهم ، وهو القول بأن لله ولداً ، وهو قول المشركين : الملائكة بنات الله . وقد تقدم في سورة النحل وغيرها ؛ فصريح الكلام رد على المشركين ، وكنايته تعريض بالنّصارى الذين شابهوا المشركين في نسبة الولد إلى الله ، فهو تكملة للإبطال الذي في قوله تعالى آنفاً : { ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه } [ مريم : 35 ] الخ .
والضمير عائد إلى المشركين ، فيفهم منه أنّ المقصود من حكاية قولهم ليس مجرد الإخبار عنهم ، أو تعليم دينهم ولكن تفظيع قولهم وتشنيعه ، وإنما قالوا ذلك تأييداً لعبادتهم الملائكة والجن واعتقادهم شفعاء لهم .
وذكر { الرّحمان } هنا حكاية لقولهم بالمعنى ، وهم لا يذكرون اسم الرحمان ولا يُقرون به ، وقد أنكروه كما حكى الله عنهم : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان } [ الفرقان : 60 ] ، فهم إنما يقولون : { اتخذ الله ولداً } كما حكي عنهم في آيات كثيرة منها آية سورة الكهف ( 4 ) . فذكر { الرحمن } هنا وضع للمرادف في موضع مرادفه ، فذكر اسم { الرحمان } لقصد إغاظتهم بذكر اسم أنكروه .
وفيه أيضاً إيماء إلى اختلال قولهم لمنافاة وصف الرحمان اتخاذ الولد كما سيأتي في قوله : { وما ينبغي للرحمان أن يتخذ ولداً } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.