قوله تعالى : { لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين } لموسى ، وقيل : إنما قالوا ذلك على طريق الاستهزاء ، وأرادوا بالسحرة موسى وهارون وقومهما . { فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجر إن كنا نحن الغالبين* ؟ قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين* قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون* فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إن لنحن الغالبون* فألقى موسى عصاه* فإذا هي تلقف ما يأفكون* فألقي السحرة ساجدين* قالوا آمنا برب العالمين* رب موسى وهارون* قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون* لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين }
القول في تأويل قوله تعالى : { فَجُمِعَ السّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مّعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنّاسِ هَلْ أَنتُمْ مّجْتَمِعُونَ * لَعَلّنَا نَتّبِعُ السّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ الْغَالِبِينَ } .
يقول تعالى ذكره : فجمع الحاشرون الذين بعثهم فرعون بحشر السحرة لِميقاتِ يَوْم مَعْلُومٍ يقول : لوقت واعد فرعون لموسى الاجتماع معه فيه من يوم معلوم ، وذلك يوم الزّينة وَأَنْ يُحْشرَ النّاسُ ضُحَى وقيل للناس : هل أنتم مجتمعون لتنظروا إلى ما يفعل الفريقان ، ولمن تكون الغلبة ، لموسى أو للسحرة ؟ فلعلنا نتبع السحرة . ومعنى لعلّ هنا : كي . يقول : كي نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين موسى . وإنما قلت ذلك معناها ، لأن قوم فرعون كانوا على دين فرعون ، فغير معقول أن يقول من كان على دين : أنظر إلى حجة من هو على خلافي لعلي أتبع ديني ، وإنما يقال : أنظر إليها كي أزدادَ بصيرة بديني ، فأقيم عليه . وكذلك قال قوم فرعون ، فإياها عنوا بقيلهم : لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين . وقيل : إن اجتماعهم للميقات الذي اتعد للاجتماع فيه فرعون وموسى كان بالإسكندرية . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَقِيلَ للنّاسِ هَلْ أنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ قال : كانوا بالإسكندرية ، قال : ويقال : بلغ ذنب الحية من وراء البحيرة يومئذ ، قال : وهربوا وأسلموا فرعون وهمت به ، فقال : فخذها يا موسى ، قال : فكان فرعون مما يلي الناس منه أنه كان لا يضع على الأرض شيئا ، قال : فأحدث يومئذ تحته ، قال : وكان إرساله الحية في القبة الحمراء .
رجَوا اتّباع السحرة ، أي اتباع ما يؤيده سحر السحرة وهو إبطال دين ما جاء به موسى ، فكان قولهم { لعلنا نتّبع السحرة } كناية عن رجاء تأييدهم في إنكار رسالة موسى فلا يتبعونه . وليس المقصود أن يصير السحرة أيمة لهم لأن فرعون هو المتّبع . وقد جيء في شرط { إن كانوا هم الغالبين } بحرف { إن } لأنها أصل أدوَات الشرط ولم يكن لهم شك في أن السحرة غالبون . وهذا شأن المغرورين بهواهم ، العُمي عن النظر في تقلبات الأحوال أنهم لا يفرضون من الاحتمالات إلا ما يوافق هواهم ولا يأخذون العُدة لاحتمال نقيضه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{لعلنا نتبع السحرة} على أمرهم {إن كانوا هم الغالبين}، لموسى وأخيه، واجتمعوا...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقيل للناس: هل أنتم مجتمعون لتنظروا إلى ما يفعل الفريقان، ولمن تكون الغلبة، لموسى أو للسحرة؟ فلعلنا نتبع السحرة. ومعنى لعلّ هنا: كي. يقول: كي نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين موسى. وإنما قلت ذلك معناها، لأن قوم فرعون كانوا على دين فرعون، فغير معقول أن يقول من كان على دين: أنظر إلى حجة من هو على خلافي لعلي أتبع ديني، وإنما يقال: أنظر إليها كي أزدادَ بصيرة بديني، فأقيم عليه. وكذلك قال قوم فرعون، فإياها عنوا بقيلهم: لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
[إن كانوا هم الغالبين] فالغلبة: الاستعلاء بالقوة...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السحرة} أي في دينهم إن غلبوا موسى، ولا نتبع موسى في دينه. وليس غرضهم باتباع السحرة، وإنما الغرض الكلي: أن لا يتبعوا موسى، فساقوا الكلام مساق الكناية؛ لأنهم إذا اتبعوهم لم يكونوا متبعين لموسى عليه السلام..
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقوله {لعلنا نتبع السحرة} ليس معناه نتبعهم في السحر إنما أراد نتبعهم في نصرة ديننا وملتنا والإبطال على معارضتنا.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولم يسمح بذكر جانب موسى عليه السلام فقال: {لعلنا نتبع السحرة} لأن من امتثل أمر الملك كان حاله حال من يرجى منه اتباع حزبه {إن كانوا هم} أي خاصة {الغالبين} أي غلبة لا يشك في أنها ناشئة عن مكنة ونعرض عن أمر موسى الذي نازع الملك في أمره، وهذا مرادهم في الحقيقة، وعبر بهذا كناية عنه لأنه أدل على عظمة الملك، وعبر بأداة الشك إظهاراً للإنصاف، واستجلاباً للناس، مع تقديرهم لقطعهم بظفر السحرة. لما رسخ في أذهانهم في الأزمنة المتطاولة من الضلال الذي لا غفلة لإبليس عن تزيينه مع أن تغيير المألوف أمر في غاية العسر.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
رجَوا اتّباع السحرة، أي اتباع ما يؤيده سحر السحرة وهو إبطال دين ما جاء به موسى، فكان قولهم {لعلنا نتّبع السحرة} كناية عن رجاء تأييدهم في إنكار رسالة موسى فلا يتبعونه. وليس المقصود أن يصير السحرة أيمة لهم لأن فرعون هو المتّبع. وقد جيء في شرط {إن كانوا هم الغالبين} بحرف {إن} لأنها أصل أدوَات الشرط ولم يكن لهم شك في أن السحرة غالبون. وهذا شأن المغرورين بهواهم، العُمي عن النظر في تقلبات الأحوال أنهم لا يفرضون من الاحتمالات إلا ما يوافق هواهم ولا يأخذون العُدة لاحتمال نقيضه.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وواضح أنّ وجود المتفرجين كلّما كان أكثر شدّ من أزر الطرف المبارز، وكان مدعاةً لأن يبذل أقصى جهده، كما أنه يزيد من معنوياته وعندما ينتصر الطرف المبارز يستطيع أن يثير الصخب والضجيج إلى درجةً يتوارى بها خصمه، كما أن وجود المتفرجين الموالين بإمكانه أن يضعف من روحيّة الطرف المواجه «الخصم» فلا يدعه ينتصر! أجل إن اتباع فرعون بهذه الآمال كانوا يرغبون أن يحضر الناس، كما أنّ موسى (عليه السلام) كان يطلب من الله أن يحضر مثل هذا الجمع الحاشد الهائل! ليبيّن هدفه بأحسنِ وجه..