68 - أفرأيتم الماء العذب الذي تشربون منه ، أأنتم أنزلتموه من السحاب أم نحن المنزلون له رحمة بكم{[218]} ؟
69- { أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ } .
أأنتم أنزلتم المطر من السحاب ، أم نحن المنزلون ؟
والجواب هو : ما أنزل المطر إلا الله سبحانه وتعالى ، والقرآن بهذا يُعدّد نعم الله الظاهرة أمام أعينهم فنزول المطر يحتاج إلى موافقات متعددة لا يقدر عليها إلا الله ، وهو سبحانه سائق السحاب ، ينزله على من يشاء ، ويصرفه عمن يشاء . فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون . ( الروم : 48 ) .
{ من المزن } هي السحاب ، والأجاج الشديد الملوحة .
فإن قيل : لم ثبتت اللام في قوله : { لو نشاء لجعلناه حطاما } وسقطت في قوله : { لو نشاء جعلناه أجاجا } ؟ فالجواب : من وجهين :
أحدهما : أنه أغنى إثباتها أولا عن إثباتها ثانيا مع قرب الموضعين .
والآخر : أن هذه اللام تدخل للتأكيد فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أن الطعام أوكد من الشراب لأن الإنسان لا يشرب إلا بعد أن يأكل .
ولما كان عنصره في{[62200]} جهة العلو ، قال منكراً عليهم مقرراً لهم : { أءنتم أنزلتموه } ولما كان الإنزال قد يطلق على مجرد إيجاد الشيء النفيس ، وكان السحاب من عادته المرور مع الريح لا يكاد يثبت ، عبر بقوله تحقيقاً لجهة العلو وتوقيفاً على موضع النعمة في إثباته إلى أن يتم حصول النفع به : { من المزن } أي السحاب المملوء الممدوح الذي شأنه الإسراع في المضي ، وقال الأصبهاني ، و{[62201]}قيل : السحاب الأبيض خاصة ، وهو أعذب ماء { أم نحن } أي خاصة ، وأكد بذكر الخبر وهو لا يحتاج إلى ذكره في أصل المعنى فقال : { المنزلون * } أي له ، رحمة لكم{[62202]} وإحساناً إليكم بتطييب عيشكم على ما لنا من مقام العظمة الذي شأنه الكبر والجبروت وعدم المبالاة بشيء ، والآية من الاحتباك بمثل ما مضى في الآيتين السابقتين سواء .
قوله : { أأنتم أنزلتموه من المزن } المزن ، معناه السحاب أو أبيض السحاب ، والقطعة الواحدة منه ، المزنة{[4448]} أي أأنتم أنزلتم ههذا المطر النقي الطهور من السحاب في السماء ، إنكم لا تقدرون على شيء من ذلك { أم نحن المنزلون } نحن أنزلنا إليكم من السماء وليس من أحد غيرنا ، قادرا أن ينزله من السماء إلى الأرض .