{ ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي : ومع هذا كله كَذّب أولئك رسلَهم فيما جاؤوهم به ، فأخذتهم ، أي : بالعقاب والنكال ، { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي : فكيف رأيت{[24514]} إنكاري عليهم عظيما شديدًا بليغا ؟ .
و{ ثمّ } عاطفة جملة { أخذت } على جملة { جاءتهم } أي ثمّ أخذتهم ، وأُظهر { الذين كفروا } في موضع ضمير الغيبة للإِيماء إلى أن أخذهم لأجل ما تضمنته صلة الموصول من أنهم كفروا .
والأخذ مستعار للاستئصال والإِفناء ؛ شبه إهلاكهم جزاءً على تكذيبهم بإتلاف المغيرين على عدوّهم يقتلونهم ويغنمون أموالهم فتبقى ديارهم بَلْقَعاً كأنهم أخذوا منها .
و ( كيف ) استفهام مستعمل في التعجيب من حالهم وهو مفرع بالفاء على { أخذت الذين كفروا } ، والمعنى : أخذتهم أخذاً عجيباً كيف ترون أعجوبته . وأصل ( كيف ) أن يستفهم به عن الحال فلما استعمل في التعجيب من حال أخذهم لزم أن يكون حالهم معروفاً ، أي يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم وكلّ من بلغتْه أخبارهم فعلى تلك المعرفة المشهورة بني التعجيب .
والنَّكير : اسم لشدة الإِنكار ، وهو هنا كناية عن شدة العقاب لأن الإِنكار يستلزم الجزاء على الفعل المنكر بالعقاب .
وحذفت ياء المتكلم تخفيفاً ولرعاية الفواصل في الوقف لأن الفواصل يعتبر فيها الوقت ، وتقدم في سبأ .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ثم أخذت الذين كفروا} بالعذاب {فكيف كان نكير} تغييري الشر.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"ثُمّ أخَذْتُ الّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ" يقول تعالى ذكره: ثم أهلكنا الذين جحدوا رسالة رسلنا، وحقيقة ما دعوهم إليه من آياتنا، وأصرّوا على جحودهم. "فكَيْفَ كانَ نَكِيرِ "يقول: فانظر يا محمد كيف كان تغييري بهم، وحلول عقوبتي بهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ثم أخذت الذين كذّبوا رسلهم بالتكذيب، فآخذ قومك على تكذيبهم إياك أيضا. يذكر هذا له ليصبّره على ذلك، وينفي حزنه على تكذيبهم إياه، أو يذكر هذا زجرا لقومه عن تكذيبهم إياه لئلا ينزل بهم من العذاب ما نزل بأولئك بالتكذيب.
{فكيف كان نكير} قال بعضهم: فكيف كان إنكاري؟
{فكيف كان نكير} سؤال للتقرير، فإنهم علموا شدة إنكار الله عليهم وإتيانه بالأمر المنكر من الاستئصال...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما سلاه، هدد من خالفه وعصاه بما فعل في تلك الأمم فقال، صارفاً القول إلى الإفراد دفعاً لكل لبس، مشيراً بأداة التراخي إلى أن طول الإمهال ينبغي أن يكون سبباً للإنابة لا للاغترار بظن الإهمال: {ثم أخذت} أي بأنواع الأخذ {الذين كفروا} أي ستروا تلك الآيات المنيرة بعد طول صبر الرسل عليهم ودعائهم لهم.
ولما كان أخذ من قص أخباره منهم عند العرب شهيراً، وكان على وجوه من النكال معجبة، سبب عنه السؤال بقوله: {فكيف كان نكير} أي أنه إنكار يجب السؤال عن كيفيته لهوله وعظمه.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ولقد كان النكير شديداً، وكان الأخذ تدميراً. فليحذر الماضون على سنة الأولين، أن يصيبهم ما أصاب الأولين! إنها لمسة قرآنية ينتهي بها هذا المقطع وتختم بها هذه الجولة، ثم تبدأ جولة جديدة في واد جديد..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والأخذ مستعار للاستئصال والإِفناء؛ شبه إهلاكهم جزاءً على تكذيبهم بإتلاف المغيرين على عدوّهم، يقتلونهم ويغنمون أموالهم، فتبقى ديارهم بَلْقَعاً كأنهم أخذوا منها.
و (كيف) استفهام مستعمل في التعجيب من حالهم وهو مفرع بالفاء على {أخذت الذين كفروا}، والمعنى: أخذتهم أخذاً عجيباً كيف ترون أعجوبته.
وأصل (كيف) أن يستفهم به عن الحال، فلما استعمل في التعجيب من حال أخذهم، لزم أن يكون حالهم معروفاً، أي يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم وكلّ من بلغتْه أخبارهم، فعلى تلك المعرفة المشهورة بني التعجيب.
والنَّكير: اسم لشدة الإِنكار، وهو هنا كناية عن شدة العقاب لأن الإِنكار يستلزم الجزاء على الفعل المنكر بالعقاب.
وهذه سُنّة الله في المرسلين، أنْ يأخذ الكافرين بهم والمعاندين لهم، أرأيتم نبياً أسلمه الله أو انهزم أمام قومه المعاندين؟ لقد وعد الله رسوله بالنصرة وبالتأييد، فقال سبحانه: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [غافر: 51].
وقال: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173] لذلك إنْ رأيتَ جندياً لله انهزم في شيء ولم يَغْلب، فاعلم أن شرطاً من شروط الجندية تخلَّف، وأول شرط للجندية لله الطاعة، فإنْ خالف الجنديُّ أوامر الله فلا بُدَّ أنْ يُهزم، لذلك قلنا: إن المسلمين انتصروا في بدر وهم فئة قليلة
{كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 249].
ولم يَمْض على بدر سنة واحدة، وحدثتْ أُحُد، صحيح لم يُهزم المسلمون لكنهم أيضاً لم ينتصروا؛ لأن المعركة (ماعت) ذلك لأن الرُّمَاة خالفوا أمر رسول الله وتخلَّوْا عن أماكنهم ونزلوا لجمع الغنائم، وأراد الله تعالى تأديب عباده المخلصين فلا بُدَّ أنْ يهزَّهم هذه الهِزَّة العنيفة، ويرَوْا هذه النتيجة؛ لأنهم خالفوا.
لذلك قلنا: إن الإسلام انتصر في أُحُد، وإن كان المسلمون لم ينتصروا؛ لأنهم لو انتصروا مع مخالفة أمر رسول الله لَهَانت على المسلمين أوامر رسول الله بعد ذلك، ولقالوا: لقد خالفنا أوامره وانتصرنا في أُحُد إذن: كان لا بُدَّ من هذه النتيجة المائعة ليعلم المسلمون أهمية الطاعة والأُسْوة برسول الله...
وحين نتأمل معنى: {ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} نجد أن الأَخْذ يدل على قوة الآخذ وقوة الجذب التي تستوعب كل أعضاء المأخوذ، فعلى مستوى البشر نقول: أخذ فلان يعني ساقه أو شدَّه من مَجْمع ثوبه ومَلكه بقبضة يده، أما لو قُلْت أخذه الله فأَخْذُ الله شديد، أخذ عزيز مقتدر.
لذلك يقول بعدها {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي: نكيري واعتراضي على ما فعلوا. والنكير هو الشيء الذي تستنكره وتغضب منه، وما بالك بقوم أنكر الله مسلكهم وغضب عليهم؟ لا بُدَّ أنْ يأخذهم أَخْذاً يُرضِي أولياءه، ويُرضِي المؤمنين به.
فقوله سبحانه: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} يعني: قُلْ لي يا محمد هل قدرتَ على مجازاتهم بما يستحقون؟ وهذا المعنى واضح أيضاً في قوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ * وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المطففين: 29-36].
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي فكيف كان عذابي الذي يمثل التجسيد الحي للإنكار عليهم...