1 - أقسم بالآيات المرسلة على لسان جبريل إلى محمد للعرف والخير ، فالآيات القاهرات لسائر الأديان الباطلة تنسفها نسفاً ، وبالآيات الناشرات للحكمة والهداية في قلوب العالمين نشراً عظيماً ، فالفارقات بين الحق والباطل فرقاً واضحاً ، فالملقيات على الناس تذكرة تنفعهم - إعذاراً لهم وإنذاراً - فلا تكون لهم حُجة : إن الذي توعدونه من مجيء يوم القيامة لنازل لا ريب فيه .
والمرسلات عرفا . فالعاصفات عصفا . والناشرات نشرا . فالفارقات فرقا . فالملقيات ذكرا : عذرا أو نذرا . . إن ما توعدون لواقع . .
القضية قضية القيامة التي كان يعسر على المشركين تصور وقوعها ؛ والتي أكدها لهم القرآن الكريم بشتى الموكدات في مواضع منه شتى . وكانت عنايته بتقرير هذه القضية في عقولهم ، ، وإقرار حقيقتها في قلوبهم مسألة ضرورة لا بد منها لبناء العقيدة في نفوسهم على أصولها ، ثم لتصحيح موازين القيم في حياتهم جميعا . فالاعتقاد باليوم الآخر هو حجر الأساس في العقيدة السماوية ، كما أنه حجر الأساس في تصور الحياة الإنسانية . وإليه مرد كل شيء في هذه الحياة ، وتصحيح الموازين والقيم في كل شأن من شؤونها جميعا . . ومن ثم اقتضت هذا الجهد الطويل الثابت لتقريرها في القلوب والعقول .
والله سبحانه يقسم في مطلع هذه السورة على أن هذا الوعد بالآخرة واقع . وصيغة القسم توحي ابتداء بأن ما يقسم الله به هو من مجاهيل الغيب ، وقواه المكنونة ، المؤثرة في هذا الكون وفي حياة البشر . وقد اختلف السلف في حقيقة مدلولها . فقال بعضهم : هي الرياح إطلاقا . وقال بعضهم هي الملائكة إطلاقا . وقال بعضهم : إن بعضها يعني الرياح وبعضها يعني الملائكة . . مما يدل على غموض هذه الألفاظ ومدلولاتها . وهذا الغموض هو أنسب شيء للقسم بها على الأمر الغيبي المكنون في علم الله . وأنه واقع كما أن هذه المدلولات المغيبة واقعة ومؤثرة في حياة البشر .
( والمرسلات عرفا ) . . عن أبي هريرة أنها الملائكة . وروي مثل هذا عن مسروق وأبي الضحى ومجاهد في إحدى الروايات ، والسدي والربيع بن أنس ، وأبي صالح في رواية [ والمعنى حينئذ هو القسم بالملائكة المرسلة أرسالا متوالية ، كأنها عرف الفرس في إرسالها وتتابعها ] .
وهكذا قال أبو صالح في العاصفات والناشرات والفارقات والملقيات . . إنها الملائكة .
وروي عن ابن مسعود . . المرسلات عرفا . قال : الريح . [ والمعنى على هذا أنها المرسلة متوالية كعرف الفرس في امتدادها وتتابعها ] وكذا قال في العاصفات عصفا والناشرات نشرا . وكذلك قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو صالح في رواية .
وتوقف ابن جرير في المرسلات عرفا هل هي الملائكة أو الرياح . وقطع بأن العاصفات هي الرياح . وكذلك الناشرات التي تنشر السحاب في آفاق السماء .
وعن ابن مسعود : ( فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا ، عذرا أو نذرا )يعني الملائكة . وكذا قال : ابن عباس ومسروق ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس والسدي والثوري بلا خلاف . فإنها تنزل بأمر الله على الرسل ، تفرق بين الحق والباطل . وتلقي إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق وإنذار .
ونحن نلمح أن التهويل بالتجهيل ملحوظ في هذه الأمور المقسم بها كالشأن في الذاريات ذروا . وفي النازعات غرقا . . وأن هذا الخلاف في شأنها دليل على إبهامها . وأن هذا الإبهام عنصر أصيل فيها في موضعها هذا . وأن الإيحاء المجمل في التلويح بها هو أظهر شيء في هذا المقام . وأنها هي بذاتها تحدث هزة شعورية بإيحاء جرسها وتتابع إيقاعها ، والظلال المباشرة التي تلقيها . وهذه الانتفاضة والهزة اللتان تحدثهما في النفس هما أليق شيء بموضوع السورة واتجاهها . . وكل مقطع من مقاطع السورة بعد ذلك هو هزة ، كالذي يمسك بخناق أحد فيهزه هزا ، وهو يستجوبه عن ذنب ، أو عن آية ظاهرة ينكرها ، ثم يطلقه على الوعيد والتهديد : ( ويل يومئذ للمكذبين ) . .
وقوله : والنّاشِرَاتِ نَشْرا اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : عُني بالناشرات نَشْرا : الريح . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي ، عن المسعودي ، عن سَلَمَة بن كهيل ، عن أبي العُبيدين أنه سأل ابن مسعود عن النّاشِرَاتِ نَشْرا قال : الريح .
حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا المسعودي ، عن سَلَمة بن كهيل ، عن أبي العُبيدين ، عن ابن مسعود ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسلم ، عن أبي العُبيدين ، قال : سألت عبد الله بن مسعود ، فذكر مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن سَلَمة بن كهيل ، عن مسلم البطين ، عن أبي العُبيدين ، قال : سألت عبد الله ، فذكر مثله .
قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد والنّاشِرَاتِ نَشْرا قال : الريح .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبيد الله بن معاذ ، قال : حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن إسماعيل السديّ ، عن أبي صالح صاحب الكلبي ، في قوله : والنّاشِرَاتِ نَشْرا قال : هي الرياح .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والنّاشِرَاتِ نَشْرا قال : الرياح .
وقال آخرون : هي المطر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : حدثنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل ، قال : سألت أبا صالح ، عن قوله والنّاشِرَاتِ نَشْرا : قال المطر .
حدثنا أبو كريبٍ ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح والنّاشِرَاتِ نَشْرا قال : هي المطر .
قال : ثنا وكيع ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، مثله .
وقال آخرون : بل هي الملائكة التي تنشُر الكتب . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن هشام ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن السديّ ، عن أبي صالح والنّاشِرَاتِ نَشْرا قال : الملائكة تنشُر الكتب .
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أقسم بالناشرات نشرا ، ولم يَخْصُص شيئا من ذلك دون شيء ، فالريح تنشر السحاب ، والمطر ينشر الأرض ، والملائكة تنشر الكتب ، ولا دلالة من وجه يجب التسليم له على أن المراد من ذلك بعض دون بعض ، فذلك على كل ما كان ناشرا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.