ثم بين - سبحانه - ما سيحل بهم من عذاب فى هذا اليوم فقال : { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضآلون المكذبون لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ . . } .
والجملة الكريمة معطوفة على قوله - تعالى - : { قُلْ إِنَّ الأولين والآخرين لَمَجْمُوعُونَ . . . } وداخلة فى حيز القول . و { ثُمَّ } للتراخى الزمانى أو الرتبى والخطاب للمشركين الذين أعرضوا عن دعوة النبى - صلى الله عليه وسلم - .
و { مِن } فى قوله : { مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } ابتدائية ، وفى قوله : { مِّن زَقُّومٍ } بيانية .
وشجر الزقوم : لا وجود له فى الدنيا ، وإنما يخلقه الله - تعالى - فى النار كما يخلق غيره من أصناف العذاب ، كالحيات والعقارب .
وقيل : هو شجر سام ، متى مسه جسد إنسان ، تورم هذا الإنسان ومات ويوجد هذا الشجر فى الأراضى المجدبة المجاورة للصحراء .
والزقوم من التزقم ، وهو ابتلاع الشىء الكريه ، بمشقة شديدة .
والمعنى : ثم قل لهم - أيها الرسول الكريم - على سبيل التقريع والتبكيت : إنكم أيها الضالون عن الحق . المكذبون بالبعث والجزاء ، لآكلون يوم القيامة من شجر ، هو شجر الزقوم ، الذى هو أخبث الشجر وأبشعه .
هذا من جملة ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم .
و { ثم } للترتيب الرتبي فإن في التصريح بتفصيل جزائهم في ذلك اليوم ما هو أعظم وقعاً في النفوس من التعريض الإِجمالي بالوعيد الذي استفيد من قوله : { إن الأولين والآخرين لمجموعون } [ الواقعة : 49 ، 50 ] .
وهذا التراخي الرتبي مثل الذي في قوله تعالى : { قل بلى وربي لتبعثن ثم لَتُنَبّؤنَّ بما عملتم } [ التغابن : 7 ] بمنزلة الاعتراض بين جملة { إن الأولين والآخرين } [ الواقعة : 49 ] وجملة : { خلقناكم فلولا تصدقون } [ الواقعة : 57 ] .
والخطاب موجه للمقول إليهم ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقوله لهم فليس في هذا الخطاب التفات كما قد يتوهم ، وفي ندائهم بهذين الوصفين إيماء إلى أنهما سبب ما لحقهم من الجزاء السَّيّىء ، ووصفهم بأنهم : ضالون مكذّبون ، ناظر إلى قولهم : { أئذا متنا وكنا تراباً } [ الواقعة : 47 ] الخ .
وقدم وصف { الضالون } على وصف { المكذبون } مراعاة لترتيب الحصول لأنهم ضلّوا عن الحق فكذبوا بالبعث ليحذروا من الضلال ويتدبروا في دلائل البعث وذلك مقتضى خطابهم بهذا الإنذار بالعذاب المتوقع .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لأصحاب الشمال: ثم إنكم أيها الضالون عن طريق الهدى، المكذّبون بوعيد الله ووعده، لآكلون من شجر من زقوم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ثم إنكم أيها الضالون المكذبون} بآيات الله الدالة على توحيده ورسله والبعث...
{ثم إنكم أيها الضالون المكذبون، لآكلون من شجر من زقوم، فمالئون منها البطون، فشاربون عليه من الحميم، فشاربون شرب الهيم}. في تفسير الآيات مسائل:
المسألة الأولى: الخطاب مع من؟ نقول: قال بعض المفسرين مع أهل مكة، والظاهر أنه عام مع كل ضال مكذب وقد تقدم مثل هذا في مواضع، وهو تمام كلام النبي صلى الله عليه وسلم كأنه تعالى قال لنبيه: (قل إن الأولين والآخرين لمجموعون) ثم إنكم تعذبون بهذه الأنواع من العذاب.
المسألة الثانية: قال هاهنا: {الضالون المكذبون} بتقديم الضال وقال في آخر السورة: {وأما إن كان من المكذبين الضالين} بتقديم المكذبين، فهل بينهما فرق؟ قلت: نعم، وذلك أن المراد من الضالين هاهنا هم الذين صدر منهم الإصرار على الحنث العظيم، فضلوا في سبيل الله ولم يصلوا إليه ولم يوحدوه، وذلك ضلال عظيم، ثم كذبوا رسله وقالوا: {أئذا متنا} فكذبوا بالحشر، فقال: {أيها الضالون} الذين أشركتم: {المكذبون} الذين أنكرتم الحشر لتأكلون ما تكرهون...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان زمان البعث متراخياً عن نزول القرآن، عبر بأداته وأكد لأجل إنكارهم فقال: {ثم} أي بعد البعث بعد الجمع المدرج {إنكم} وأيد ما فهمه من أصحاب الشمال هم القسم الأدنى من أصحاب المشأمة فقال: {أيها الضالون} أي الذين غلبت عليهم الغباوة فيهم لا يفهمون، ثم أتبع ذلك ما أوجب الحكم عليهم بالضلال فقال: {المكذبون} أي تكذيباً ناشئاً عن الضلال والتقيد بما لا يكذب به إلا عريق في التكذيب بالصدق...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
هذا من جملة ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم.
و {ثم} للترتيب الرتبي فإن في التصريح بتفصيل جزائهم في ذلك اليوم ما هو أعظم وقعاً في النفوس من التعريض الإِجمالي بالوعيد الذي استفيد من قوله: {إن الأولين والآخرين لمجموعون} [الواقعة: 49، 50].
وهذا التراخي الرتبي مثل الذي في قوله تعالى: {قل بلى وربي لتبعثن ثم لَتُنَبّؤنَّ بما عملتم} [التغابن: 7] بمنزلة الاعتراض بين جملة {إن الأولين والآخرين} [الواقعة: 49] وجملة: {خلقناكم فلولا تصدقون} [الواقعة: 57].
والخطاب موجه للمقول إليهم ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقوله لهم فليس في هذا الخطاب التفات كما قد يتوهم، وفي ندائهم بهذين الوصفين إيماء إلى أنهما سبب ما لحقهم من الجزاء السَّيّئ، ووصفهم بأنهم: ضالون مكذّبون، ناظر إلى قولهم: {أئذا متنا وكنا تراباً} [الواقعة: 47] الخ.
وقدم وصف {الضالون} على وصف {المكذبون} مراعاة لترتيب الحصول لأنهم ضلّوا عن الحق فكذبوا بالبعث ليحذروا من الضلال ويتدبروا في دلائل البعث وذلك مقتضى خطابهم بهذا الإنذار بالعذاب المتوقع.