وقوله : { لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ . لِيَوْمِ الفصل . وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل . وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } تعليل لبلوغ الرسل إلى الوقت الذى كانوا ينتظرونه لأخذ حقوقهم من أقوامهم الظالمين ، والاستفهام للتهويل والتعظيم من شأن هذا اليوم .
أى : لأى يوم أخرت الأمور التى كانت متعلقة بالرسل ؟ من تعذيب بالكافرين ، وإثابة المتقين . . إنها أخرت وأجلت ، ليوم الفصل ، وهو يوم القيامة ، الذى يفصل الله - تعالى - فيه بقضائه العادل بين العباد .
وإلى جانب هذا الهول في مشاهد الكون ، تعرض السورة أمرا عظيما آخر مؤجلا إلى هذا اليوم . . فهو موعد الرسل لعرض حصيلة الدعوة . دعوة الله في الأرض طوال الأجيال . . فالرسل قد أقتت لهذا اليوم وضرب لها الموعد هناك ، لتقديم الحساب الختامي عن ذلك الأمر العظيم الذي يرجح السماوات والأرض والجبال . للفصل في جميع القضايا المعلقة في الحياة الأرضية ، والقضاء بحكم الله فيها ، وإعلان الكلمة الأخيرة التي تنتهي إليها الأجيال والقرون . .
وفي التعبير تهويل لهذا الأمر العظيم ، يوحي بضخامة حقيقته حتى لتتجاوز مدى الإدراك :
( وإذا الرسل أقتت . لأي يوم أجلت ? ليوم الفصل . وما أدراك ما يوم الفصل ? ) . .
وظاهر من أسلوب التعبير أنه يتحدث عن أمر هائل جليل . فإذا وصل هذا الإيقاع إلى الحس بروعته وهوله ، الذي يرجح هول النجوم المطموسة والسماء المشقوقة والجبال المنسوفة . ألقى بالإيقاع الرعيب ، والإنذار المخيف :
وقوله : لأِيّ يَوْمٍ أُجّلَتْ يقول تعالى ذكره مُعَجّبا عباده من هول ذلك اليوم وشدّته : لأيّ يوم أجّلت الرسل ووقّتت ، ما أعظمه وأهوله ثم بين ذلك : وأيّ يوم هو ؟ فقال : أجلت لِيَوْمِ الفَصْلِ يقول : ليوم يفصل الله فيه بين خلقه القضاء ، فيأخذ للمظلوم من الظالم ، ويجزي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لأَيّ يَوْمٍ أُجّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ يوم يفصل فيه بين الناس بأعمالهم إلى الجنة وإلى النار .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
بين ذلك: وأيّ يوم هو؟ فقال: أجلت لِيَوْمِ الفَصْلِ، يقول: ليوم يفصل الله فيه بين خلقه القضاء، فيأخذ للمظلوم من الظالم، ويجزي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال الله تعالى: {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى} [طه: 129] فجائز أن تكون الكلمة التي سبقت منه، هو تأخير العذاب إلى يوم البعث، فجعل ذلك يوم الجزاء، وذلك يكون بالمعاينة، وجعل هذه الدار دار محنة وابتلاء؛ وذلك يكون بالحجج والبينات؛ فكأنه قال: لو لا ما سبق من كلمة الله تعالى من تأخير الجزاء والعذاب، وإلا كان العذاب واقعا في هذه الدنيا بالتكذيب.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
يوم الفصل، وهو يوم القيامة وسمي يوم الفصل، لأنه يفصل فيه بين حال المهتدي والضال بما يعلم الله لاحدهما من حال الثواب بالإجلال والإكرام، وللآخر من حال العقاب بالاستخفاف والهوان بما لا يخفى على إنسان.
وقيل: الوجه في تأجيل الموعود إلى يوم الفصل تحديد الأمر للجزاء على جميع العباد فيه بوقوع اليأس من الرد إلى دار التكليف، لأن في تصور هذا ما يتأكد به الدعاء إلى الطاعة والانزجار عن المعصية.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وفي هذه الآية انتزع القضاة الآجال في الأحكام ليقع فصل القضاء عند تمامها.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
أي الذي إذا أطلق ذلك لم ينصرف إلا إليه؛ لأنه لا يترك فيه شيئاً إلا وقع الفصل فيه بين جميع الخلق من كل جليل وحقير.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{ليوم الفصل} بدل من {لأي يوم أُجِّلت} بإعادة الحرف الذي جُرَّ بهِ المبدل منه كقوله تعالى:
{تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا} [المائدة: 114]
والظاهر أن المبدل منه والبدل دليلان على جواب (إذا) من قوله {فإذا النجوم طمست} الخ، إذ يُعلم أن المعنى إذا حصل جميع ما ذُكر فذلك وقوع ما تُوعدون.
وجملة {لأي يوم أجِّلت ليوم الفصل} قد علمت آنفاً الوجه الوجيه في معناها. ومن المفسرين من جعلها مقول قول محذوف: يقال يومَ القيامة، ولا داعي إليه.
و {الفصل}: تمييز الحق من الباطل بالقضاء والجزاء؛ ِ إذ بذلك يزول الالتباس والاشتباه والتمويه الذي كان لأهل الضلال في الدنيا فتتضحُ الحقائق على ما هي عليه في الواقع.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.