{ أَمْ تَسْأَلُهُمْ } يا أيها الرسول { أَجْرًا } على تبليغ الرسالة ، { فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ } ليس الأمر كذلك ، بل أنت الحريص على تعليمهم ، تبرعا من غير شيء ، بل تبذل لهم الأموال الجزيلة ، على قبول رسالتك ، والاستجابة [ لأمرك
و ] دعوتك ، وتعطي المؤلفة قلوبهم [ ليتمكن العلم والإيمان من قلوبهم ] .
وهم كانوا يستثقلون دعوة النبي لهم إلى الهدى ؛ وهو يقدمه لهم خالصا بريئا ، لا يطلب عليه أجرا ، ولا يفرض عليهم إتاوة . وأيسر ما يقتضيه هذا العرض البريء أن يستقبل صاحبه بالحسنى ، وأن يرد بالحسنى إذا لم يقبلوا ما يقدمه لهم ويعرضه عليهم . وهو هنا يستنكر مسلكهم الذي لا داعي له يقول :
( أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون ? ) . .
أي مثقلون من الغرم الذي تكلفهم إياه في صورة الأجر على ما تقول ! فإذا كان الواقع أن لا أجر ولا غرامة . فكم يبدوا عملهم مسترذلا قبيحا ، يخجلون منه حين يواجهون به ?
وقوله : أمْ تَسألُهُمْ أجْرا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أتسأل هؤلاء المشركين الذين أرسلناك إليهم يا محمد على ما تدعوعهم إليه من توحيد الله وطاعته ثوابا وعوضا من أموالهم ، فهم من ثِقل ما حملتهم من الغرم لا يقدرون على إجابتك إلى ما تدعوهم إليه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أمْ تَسأَلُهُمْ أجْرا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ يقول : هل سألتَ هؤلاء القوم أجرا يُجْهدهم ، فلا يستطيعون الإسلام .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وَهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أمْ تَسأَلُهُمْ أجْرا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ قال : يقول : أسألتهم على هذا أجرا ، فأثقلهم الذي يُبْتَغَى أخذَه منهم .
هذا مرتبط بقوله : { أم يقولون تقوله } [ الطور : 33 ] وقوله : { أم عندهم خزائن ربك } [ الطور : 37 ] إذ كل ذلك إبطال للأسباب التي تحملهم على زعم انتفاء النبوءة عن محمد صلى الله عليه وسلم فبعد أن أبطل وسائل اكتساب العلم بما زعموه عاد إلى إبطال الدواعي التي تحملهم على الإِعراض عن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ولأجل ذلك جاء هذا الكلام على أسلوب الكلام الذي اتصل هُو به ، وهو أسلوب خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم فقال هنا : { أم تسألهم أجراً } وقال هنالك : { أم عندهم خزائن ربك } [ الطور : 37 ] .
والاستفهام المقدر بعد { أم } مستعمل في التهكم بهم بتنزيلهم منزلة من يتوجس خيفة من أن يسألهم الرسول صلى الله عليه وسلم أجراً على إرشادهم .
والتهكم استعارة مبنية على التشبيه ، والمقصود ، ما في التهكم من معنى أن ما نشأ عنه التهكم أمر لا ينبغي أن يخطر بالبال .
وجيء بالمضارع في قوله : { تسألهم } لإِفادة التجدد ، أي تسألهم سؤالاً متكرراً لأن الدعوة متكررة ، وقد شبهت بسؤال سائل .
وتفريع { فهم من مغرم مثقلون } لما فيه من بيان الملازمة بين سؤال الأجر وبين تجهّم من يسأل والتحرج منه . وقد فرع قوله : { فهم من مغرم مثقلون } على الفعل المستفهم عنه لا على الاستفهام ، أي ما سألتهم أجراً فيثقل غُرمه عليهم ، لأن الاستفهام في معنى النفي ، والإِثقال يتفرع على سؤال الأجر المفروضضِ لأن مجرد السؤال محرج للمسؤول لأنه بين الإِعطاء فهو ثقيل وبين الرد وهو صعب .
والمَغرم بفتح الميم مصدر ميمي ، وهو الغُرم . وهو ما يفرض على أحد من عوض يدفعه .
والمثقَل : أصله المحمَّل بشيء ثقيل ، وهو هنا مستعار لمن يطالب بما يعسر عليه أداؤه ، شبه طلبه أداء ما يعسر عليه بحمل الشيء الثقيل على من لا يسهل عليه حمله .
و { مِن } للتعليل ، أي مثقلون من أجل مغرم حُمل عليهم .
والمعنى : أنك ما كلفتهم شيئاً يعطونه إياك فيكونَ ذلك سبباً لإِعْراضهم عنك تخلصاً من أداء ما يطلب منهم ، أي انتفى عذر إعراضهم عن دعوتك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.