التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كِرَامِۭ بَرَرَةٖ} (16)

{ كِرَامٍ بَرَرَةٍ } أى : هذه الآيات بأيدى سفرة من صفاتهم أنهم مكرمون ومعظمون عنده - تعالى - ، وأنهم أتقياء مطيعون الله - تعالى - كل الطاعة ، جمع بَرّ ، وهو من كان كثير الطاعة والخشوع لله - عز وجل - . .

هذا والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة يراها قد اشتملت على كثير من الآداب والأحكام ، ومن ذلك : أن شريعة الله - تعالى - تجعل التفاضل بين الناس ، أساسه الإِيمان والتقوى ، فمع أن عبد الله ابن أم مكتوم ، كان قد قاطع الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتشاغل عنه إلا لحرصه على جذب هؤلاء الزعماء إلى الإِسلام .

مع كل ذلك ، وجدنا الآيات الكريمة ، تعاتب النبى صلى الله عليه وسلم عتابا تارة فيه رقة . وتارة فيه شدة . وذلك لأن الميزان الذى أنزله الله - تعالى - للناس مع الرسل ، لكى يبنوا عليه حياتهم ، هو : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ } ولقد استجاب الرسول الكريم لهذا التوجيه الحكيم ، فبنى حياته كلها بعد ذلك على هذا الميزان العادل ، ومن مظاهر ذلك : إكرامه لابن أم مكتوم ، وقوله له كلما رآه : " أهلا بمن عاتبنى فيه ربى " .

وفعل صلى الله عليه وسلم ما يشبه ذفلك ، مع جميع المؤمنين الصادقين الذين كانوا من فقراء المسلمين ، ولم يكونوا أصحاب جاه أن نفوذ أو عشيرة قوية .

لقد جعل زيد بن حارثة - وهو الغريب عن مكة والمدينة ، أميرا على الجيش الإِسلامى فى غزوة مؤتة ، وكان فى هذا الجيش عدد كبير من كبار الصحابة .

وقال صلى الله عليه وسلم فى شأن سلمان الفارسى : " سلمان منا أهل البيت " .

وقال صلى الله عليه وسلم فى شأن عمار بن ياسر ، عندما استأذن عليه فى الدخول : " ائذنوا له . مرحبا بالطيب المطيب " .

وكان من مظاهر تكريمه لعبد الله بن مسعود ، أن جعله كأنه واحد من أهله بيته .

فعن أبى موسى الأشعرى قال : قدمت أنا وأخى من اليمن ، فمكثنا حينا وما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرة دخولهم على رسول الله ، ولزومهم له . .

وقال صلى الله عليه وسلم لأبى بكر الصديق عندما حدث كلام بينه وبين سلمان وصهيب وبلال فى شأن أبى سفيان : يا أبا بكر لعلك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم فقد أغضبت ربك .

فقد أخرج الإِمام مسلم فى صحيحه . . " أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال فى نفر ، فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها ، فقال أبو بكر : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم ؟

فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبر فقال : " يا أبا بكر لعلك أغضبتهم . لئن كنت أغضبتهم فقد أغضب ربك " فأتاهم فقال : يا إخوتاه أأغضبتكم ؟ قالوا : لا . ويغفر الله لك يا أخى . . "

ولقد سار خلفاؤه صلى الله عليه وسلم على هذه السنة ، فكانوا يكرمون الفقراء ، فأبوا بكر - رضى الله عنه - أذن لصهيب وبلال فى الدخول عليه ، قبل أن يأذن لأبى سفيان وسهيل بن عمرو . .

وعمر - رضى الله عنه - يقول فى شأن أبى بكر : " هو سيدنا وأعتق سيدنا " يعنى : بلال ابن رباح . .

قال صاحب الكشاف عند تفسيره ، لهذه الآيات : ولقد تأدب الناس بأدب الله فى هذا تأدبا حسنا ، فقد روى عن سفيان الثورى - رحمه الله - ، أن الفقراء كانوا فى مجلسه أمراء . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كِرَامِۭ بَرَرَةٖ} (16)

وقوله : ( كِرَامٍ بَرَرَةٍ ) أي : خُلقهم كريم حَسَنٌ شريف ، وأخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة كاملة . ومن هاهنا ينبغي لحامل القرآن أن يكون في أفعاله وأقواله على السداد والرشاد .

قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن زُرَارة بن أوفى ، عن سعد بن هشام ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرؤه وهو عليه شاق له أجران " . أخرجه الجماعة من طريق قتادة ، به{[29698]} .


[29698]:- (6) المسند (6/48) وصحيح البخاري برقم (4937) وصحيح مسلم برقم (798) وسنن أبي داود برقم (1454) وسنن الترمذي برقم (2904) وسنن النسائي الكبرى برقم (8047) وسنن ابن ماجة برقم (3779).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كِرَامِۭ بَرَرَةٖ} (16)

وقوله : كِرَامٍ بَرَرَةٍ والبَرَرة : جمع بارّ ، كما الكَفَرة جمع كافر ، والسّحَرة جمع ساحر ، غير أن المعروف من كلام العرب إذا نطقوا بواحدة أن يقولوا : رجل بَرّ ، وامرأة برّة ، وإذا جمعوا ردّوه إلى جمع فاعل ، كما قالوا : رجل سَرِيّ ، ثم قالوا في جمعه : قوم سَراة ، وكان القياس في واحده أن يكون ساريا . وقد حُكي سماعا من بعض العرب : قوم خِيَرَة بَرَرَة ، وواحد الخَيرة : خَيْر ، والبَرَرَة : برّ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كِرَامِۭ بَرَرَةٖ} (16)

ووصف { كرام } مما وصف به الملائكة في آيات أخرى كقوله تعالى { كراماً كاتبين } [ الانفطار : 11 ] .

ووصف البرَرة ورد صفةً للملائكة في الحديث الصحيح قوله : " الذي يقرأ القرآن وهو ماهِر به مع السَفرة الكرام البرَرَة " .

والبررة : جمع بَرّ ، وهو الموصوف بكثرة البرور . وأصل بَرّ مصدر بَرَّ يبَرّ من باب فَرح ، ومصدره كالفَرح ، فهذا من باب الوصف بالمصدر مثل عَدل وقد اختص البررة بجمع بَرّ ولا يكون جمع بارّ .

والغالب في اصطلاح القرآن أن البررة الملائكةُ والأبرارَ الآدميون . قال الراغب : « لأن بررة أبلغ من أبرار إذ هو جمع بَرّ ، وأبرار جمع بَار ، وبَرّ أبلغ من بار كما أن عَدلا أبلغ من عادل » .

وهذا تنويه بشأن القرآن لأن التنويه بالآيات الواردة في أول هذه السورة من حيث إنها بعض القرآن فأثني على القرآن بفضيلة أثَره في التذكير والإِرشاد ، وبرفعة مكانته ، وقدس مصدره ، وكرم قراره ، وطهارته ، وفضائل حَمَلَتِه ومبلغيه ، فإن تلك المدائح عائدة إلى القرآن بطريق الكناية .