القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تُطِيعُوَاْ أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ * قَالُوَاْ إِنّمَآ أَنتَ مِنَ الْمُسَحّرِينَ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل صالح لقومه من ثمود : لا تطيعوا أيها القوم أمر المسرفين على أنفسهم في تماديهم في معصية الله ، واجترائهم على سخطه ، وهم الرهط التسعة الذين كانوا يفسدون في الأرض ، ولا يصلحون من ثمود الذين وصفهم الله جلّ ثناؤه بقوله : وكانَ فِي المَدينَةِ تَسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ يقول : الذين يسعون في أرض الله بمعاصيه ، ولا يصلحون ، يقول : ولا يصلحون أنفسهم بالعمل بطاعة الله .
عطف { ولا يصلحون } على جملة : { يفسدون في الأرض } تأكيد لوقوع الشيء بنفي ضده مثل قوله تعالى : { وأضلّ فرعون قومَه وما هدَى } [ طه : 79 ] وقول عَمرو بن مرة الجُهني :
يفيد أن فسادهم لا يشوبه صلاح ؛ فكأنه قيل : الذين إنما هم مفسدون في الأرض ، فعدل عن صيغة القصر لئلا يحتمل أنه قصر مبالغة لأن نفي الإصلاح عنهم يؤكد إثبات الإفساد لهم ، فيتقرر ذلك في الذهن ، ويتأكد معنى إفسادهم بنفي ضده كقول السموأل أو الحارثي :
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم نعتهم، فقال تعالى: {الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون} يقول: الذين يعصون في الأرض، ولا يطيعون الله عز وجل، فيما أمرهم به.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 151]
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل صالح لقومه من ثمود: لا تطيعوا أيها القوم أمر المسرفين على أنفسهم في تماديهم في معصية الله، واجترائهم على سخطه، وهم الرهط التسعة الذين كانوا يفسدون في الأرض، ولا يصلحون من ثمود الذين وصفهم الله جلّ ثناؤه بقوله:"وكانَ فِي المَدينَةِ تَسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ"، يقول: الذين يسعون في أرض الله بمعاصيه، ولا يصلحون، يقول: ولا يصلحون أنفسهم بالعمل بطاعة الله.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 150]
يقول، والله أعلم: اتقوا نقمة الله في مخالفتكم أمره، {وأطيعون} {ولا تطيعوا أمر المسرفين} أي لا تطيعوا أمر من ظهر منه الإسراف والفساد، ولكن أطيعوا أمري؛ إذ لم يظهر لكم مني إسراف ولا فساد، ولا تطيعوا الذين تعلمون أنهم يفسدون في الأرض، ولا يصلحون.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وقال "الذين يفسدون في الأرض "بأن يفعلوا فيها المعاصي، ويرتكبوا القبائح "ولا يصلحون" أي: لا يفعلون شيئا من الأفعال الحسنة.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت: ما فائدة قوله: {وَلاَ يُصْلِحُونَ}؟ قلت: فائدته أنّ فسادهم فساد مصمت ليس معه شيء من الصلاح، كما تكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{يفسدون في الأرض}: أي أرض ثمود. وقيل: في الأرض كلها، لأن بمعاصيهم امتناع الغيث. ولما كانوا يفسدون دلالته دلالة المطلق، أتى بقوله: {ولا يصلحون}، فنفى عنهم الصلاح، وهو نفي لمطلق الصلاح، فيلزم منه نفي الصلاح كائناً ما كان، فلا يحصل منهم صلاح ألبتة.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} أي الذين وصفهم ودأبهم الإفساد في الأرض بعمل المعاصي والدعوة إليها إفسادا لا إصلاح فيه وهذا أضر ما يكون لأنه شر محض..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
يفيد أن فسادهم لا يشوبه صلاح؛ فكأنه قيل: الذين إنما هم مفسدون في الأرض، فعدل عن صيغة القصر لئلا يحتمل أنه قصر مبالغة لأن نفي الإصلاح عنهم يؤكد إثبات الإفساد لهم، فيتقرر ذلك في الذهن، ويتأكد معنى إفسادهم بنفي ضده..والتعريف في {الأرض} تعريف العهد.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
فالمسرفون يفسدون دائما ولا يصلحون، قرر الله لهم وصفين: إيجابي، وهو الفساد المترتب على إسرافهم، والوصف الثاني السلبي فقال: {ولا يصلحون} أي لا يمكن أن يكون منهم إصلاح كالذي يدعيه الطغاة من الحكام، والأقوياء من الأمراء من أنهم يصلحون بين الناس...ونلاحظ ملاحظة بيانية، وهي أنه تعالى عبّر عن الإسراف بالوصف للإشارة إلى أن الإسراف إذا استمكن في النفس ترتب عليه ذلك الفساد وعدم الإصلاح.
فوصف المسرفين بأنهم مفسدون في الأرض غير مصلحين، كأن الأرض خلقها الخالق- عز وجل- على هيئة الصلاح في كل شيء، لكن يفسدها الإنسان بتدخله في أمورها..أما هؤلاء القوم فلم يكتف القرآن بوصفهم بالفساد وحسب، إنما أيضا هم {ولا يصلحون} ذلك لأن الإنسان قد يفسد في شيء، ويصلح في شيء، إنما هؤلاء دأبهم الفساد، ولا يأتي منهم الصلاح أبدا.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِى الاَْرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ} من خلال أفكارهم الكافرة، وعباداتهم المشركة، وتقاليدهم المنحرفة، وعلاقاتهم الفاسدة، وأفعالهم الشرّيرة، ما يؤدي إلى اختلال النظام العام في الوجود الإنساني في الأرض، وإلى إفساد الحياة من حولهم مما يرفضه الله من كل عباده، إذ حمَّلهم مسؤولية الإصلاح في أنفسهم وفي الناس، على مستوى الدعوة والعمل..